تلقى لبنان إشعارات مطمئنة نسبياً بتأخير ضمّ تصنيفه السيادي إلى القائمة «الرمادية» للدول التي تعاني فجوات أساسية وثانوية في فاعلية مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وسط ترقب لمعطيات موثقة سترد ضمن تحديثات تقرير التقييم المتبادل ستوردها مجموعة العمل المالي الإقليمية (مينا فاتف) التي تعقد اجتماعها العام الدوري (نصف السنوي) بعد أسبوع في مملكة البحرين.
ولا تكفل هذه الإشارة الإيجابية في ظاهرها، وفق معلومات «الشرق الأوسط» التي دققتها مع مسؤول معنيٍّ كبير، سوى منح السلطات اللبنانية المعنيّة مهلة جديدة، تمتد زمنياً حتى انعقاد الاجتماع الثاني للمجموعة في الخريف المقبل، أي بحدود 6 أشهر، يرتقب أن تشهد جولة جديدة لاستكمال عملية «التقييم المتبادل» والتدابير التي ينجزها الجانب اللبناني، بما يشمل التعديلات القانونية والإجرائية، لمعالجة أوجه القصور المحددة من قبل المجموعتين الإقليمية والدولية، فضلاً عن التنبيهات الواردة من وزارة الخزانة الأميركية وهيئات أوروبية مختصة.
وإذ تأكدت مؤسسات السلطة النقدية المعنية بأنه لن يجري تصنيف لبنان ضمن القائمة «الرمادية» خلال الاجتماعات الوشيكة، وفق مداخلة لحاكم البنك المركزي بالإنابة الدكتور وسيم منصوري، فإنه نبّه بالتوازي إلى أن «هذا الأمر غير مضمون في المراحل المقبلة»، وربما نكون قد تمكنّا من شراء الوقت حتى الآن من خلال الاجتماعات التي حصلت مؤخراً، أو من خلال الاجتماعات التي تحدث هذه الأيام تحديداً؛ لأن مسألة التصنيف لا تعود إلى مشكلة في القطاع المالي اللبناني، سواء في القطاع المصرفي أم لدى مصرف لبنان، ولكنها تكمن في مكان آخر، أي في إعادة بناء أجهزة الدولة.
وفرضت هذه الوقائع على حاكمية المصرف المركزي وهيئة التحقيق، وفق معلومات خاصة، طلب الدعم السياسي والتنفيذي من قبل رئاستي مجلس النواب والحكومة، بغية المساعدة على تطوير المعالجات المنشودة، وسد الثغرات القائمة في قطاعات حيوية، بحيث يجري تباعاً تزويد الهيئات الرقابية المعنية بتحديثات لسدّ ثغرات أساسية جرى تحديدها كأوجه قصور في إجراءات التحقيق والرقابة ضمن أنشطة القطاع غير المالي، بما يشمل تحديد الشخصيات الاعتبارية والترتيبات القانونية وصاحب الحق الاقتصادي، والتحقيقات المالية الموازية، والعقوبات المالية المستهدفة ذات الصلة بهيئات دولية وسيادية.
ويظهر تقرير التقييم المنجز من قبل المجموعة الإقليمية، وجوب مبادرة السلطات المحلية، من نقدية وغير نقدية، لإجراء تحسينات جوهرية في حزمة من التوصيات الأساسية حصل فيها لبنان على درجة «ملتزم جزئياً»، ما يتطلب حكماً إجراء بعض تعديلات في القوانين والتدابير النافذة، بما يتناسب مع مقتضيات الامتثال لكامل المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، علماً بأن لبنان حاز درجات مرضية، ولو غير مكتملة، في التقييم العام للالتزام الفني، حيث حصل على درجة «ملتزم» أو «ملتزم إلى حد كبير» في 34 توصية من أصل 40 تعتمدها الهيئات الرقابية الدولية.
وبما يخصّ قياس الفاعلية، حصل لبنان على علامة «متدنية»، كشفت خصوصاً عن عدم كفاية القوانين والإجراءات في ملاحقة ومصادرة المتحصلات الإجرامية والأصول ذات الصلة، والادعاءات والأحكام القضائية بجرائم تبييض الأموال، والتي يجب أن تكون أكثر اتساقاً مع المخاطر، لا سيما ضرورة وجود عقوبات متناسبة ورادعة بشأنها، في حين نجح نسبياً بحيازة درجات «متوسطة» يمكن تطويرها في 9 نتائج مباشرة من أصل 11 توصية واجبة الالتزام التام.
وفي توصيف خريطة طريق النأي عن انزلاقات جديدة في ظل الانهيارات التي شهدها البلد، يرى منصوري أن المحاسبة عن طريق القضاء هي أول الأعمدة الأساسية لبناء الاقتصاد وإعادة الثقة، وثانيها هو رد أموال المودعين، وتنظيم علاقة المودعين مع المصارف، وثالثها إعادة الاعتبار للقطاع المصرفي، وهذا بدوره شرط أساسي لإنقاذ الاقتصاد، وإحراز النمو، وتسهيل مفاوضات لبنانفيما يتعلق بالمؤسسات الدولية المانحة. أما العمود الرابع فهو إتمام الإصلاحات التي كثر الحديث عنها، وطال انتظارها. ويؤكد منصوري أنه لا بد من الشروع في هذه الأمور الأربعة، وأن تقوم كل جهة بعملها، و«يجب ألا ينتظر أحدنا الآخر، فعلى كل منا مهمة عليه القيام بها».
أما في سياق الاستجابة للتنبيهات الخارجية التي تبلغتها السلطة النقدية وتقع ضمن مهامها، وفي مقدمتها الواردة من قبل السلطات المالية الأميركية والبنوك المراسلة، يواصل البنك المركزي جهوده المركزة لضبط الانفلاش النقدي بالعملة الخضراء، والذي قدره البنك الدولي بما يصل إلى نحو 10 مليارات دولار، أي ما يوازي نحو نصف الناتج المحلي.
المصدر: لبنان٢٤