كتبت صحيفة “الديار”: في لبنان، ثبت لكل المشككين المغرضين، انه لا تعارض بين مقاومة تدافع عن الحدود دون هوادة، وتساند الشعب الفلسطيني في غزة، وبين ارادة العيش وتحدّي كل الظروف الصعبة. التهويل بالحرب الشاملة لم يمنع الحكومة من اطلاق حملة “مشوار رايحين مشوار” بالامس. وفيما اعلن رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي خلال اطلاق الحملة انه “مُطمئن للأيام المقبلة بأنه سيتم التوصل إلى حل”، اظهرت الارقام في مطار بيروت الدولي ارتفاعا في عدد الوافدين الذي وصل في شهر ايار الى 276 الف وافد، والى 405 الاف في حزيران، اما في “اسرائيل” فانخفض عدد الوافدين الى النصف مقارنة بالعام الماضي.
“فقاعات اعلامية”
وتزامنا مع حملة التهويل الخارجية، المتراجعة نسبيا، والمنذرة بحرب شاملة ضد لبنان، تظّهر الارباك الخارجي، وعقم تفكيره، وقلة حيلته، بابهى صوره في تحريك عناصر داخلية، اثبتت فشلها سابقا، ولا تعدو كونها “فقاعات” اعلامية لا حيلة لها في مواجهة “معضلة” حزب الله. فعاد فجاة الى بيروت وفي توقيت مثير للريبة، بهاء الحريري في محاولة لاعادة شد العصب السني بعيدا عن حزب الله، فاكتشف الخارج خلال ساعات ان لا مكان له في هذه الساحة وانه مجددا ورقة خاسرة لا يمكن الرهان عليها لا الآن ولا في المستقبل.
حركة انفصام عن الواقع!
وفي هذا السياق، تداعى نواب قوى المعارضة بالامس الى مجلس النواب وخرجوا بما اسموها “خارطة طريق” لانقاذ البلاد من الحرب، تتضمن طبعا تملقا للخارج من خلال التمسك بالقرارات الدولية الآيلة الى التخلص من سلاح المقاومة. وهذا الحراك يدل على ان ثمة انفصاما هائلا عن الواقع لدى هذه القوى التي اذا كانت تنفذ اجندة خارجية فهي تتورط بما لا طاقة لها على تحمل تداعياته، واذا كانت تستدرج عروضا، فانها بالطبع لن تجد من يشتري بضاعتها غير القابلة للتسويق. وحدها بكركي وجدت نفسها معنية بالامس بمعالجة سوء الفهم في عظة البطريرك بشارة الراعي التي ادت الى مقاطعة مع المجلس الشيعي الاعلى، فجزمت انه لا يوجد في ادبياتها توصيف حزب الله بالارهابي، كاشفة عن رفض البطريرك لمطالب سفراء غربيين بتصنيف الحزب ارهابيا.
الانقسامات في “اسرائيل”
وعشية لقاء مفترض بين الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان والمبعوث الاميركي عاموس هوكشتاين يوم غد في فرنسا، ارتفعت حدة الانقسامات الداخلية في كيان العدو حول كيفية التعامل مع الجبهة الشمالية، وفيما عاد وزير الحرب يوآف غالانت اكثر “عقلانية” من واشنطن مقدما الحل الديبلوماسي، تزامنا مع عودة الحديث عن تعديلات على خطة بايدن لوقف الحرب على غزة، زايد عليه بعض وزراء اليمين وطالبوا بمعركة حاسمة وسريعة، سخرت منها وسائل اعلام اسرائيلية، وردت عليها طهران بتصريح للقائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري، الذي اكد ان المقاومة في لبنان ستكبد “إسرائيل” ثمناً غالياً رداً على أي اعتداء، وهي على أهبة الاستعداد للرد على التهديدات.
ماذا ينتظر حزب الله؟
وربطا بالجبهة في الجنوب، اكدت مصادر ديبلوماسية، ان السيناريو المطروح والذي بحثه وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت في واشنطن مع المسؤولين الأميركيين، يقوم على اعلان انتهاء العمليات العسكرية في رفح في الايام المقبلة وانطلاق المرحلة الثالثة، وهي لا تشمل حربا واسعة بل عمليات أمنية محدودة ضد حماس وقياداتها، على ان تتزامن مع البدء بعودة المدنيين الى غزة وادخال المساعدات بكثافة اليهم… وهو المخرج الذي يحاول الاميركيون بضغط من “الوسطاء” العرب اقناع حماس به وتاليا الحصول على التهدئة على الجبهة الشمالية، فيما لا يزال موقف حزب الله واضحا: ما يقبله الفلسطينيون وخصوصا حماس نقبله، ولا كلام قبل موافقتهم على انتهاء الحرب.
العجز الاسرائيلي
ومنذ أن عاد وزير الحرب الاسرائيلي يوآف غالانت من زيارته للولايات المتحدة توالت تلميحاته بأن “إسرائيل” غير معنية بحرب مع حزب الله الآن، وأنها تفضّل الاتفاق والتسوية، بعد سلسلة تصريحات عن “إعادة لبنان للعصر الحجري”. ووفقا لمصادر ديبلوماسية، فان نتنياهو يؤيد موقف غالانت، بعدما ادرك تبعات وأثمان الحرب الكبرى، رغم رغبته الشخصية بإطالة أمد الحرب، بخاصة أنه يسمع تقديرات مراقبين وجنرالات في الاحتياط يعتبرون حرباً واسعة في الشمال الآن مغامرة خطرة جداً، تنطوي على تهديد وجودي لـ “إسرائيل”، فهي منهكة وعاجزة عن إدارة حرب على جبهتين.
السخرية من سموتريتش!
في المقابل؛ دعا وزير المالية باتسلئيل سموتريتش الى حرب حادة وسريعة في لبنان.
وعكست الإذاعة العبرية العامة، صباح امس، موقف أوساط إسرائيلية وازنة، بقولها إن سموتريتش منفصمٌ عن الواقع، ولا يدرك معاني وتبعات الحرب مع حزب الله. وكشفت صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية امس أن مسؤولين إسرائيليين اقترحوا على نظرائهم الأميركيين توجيه ضربة عسكرية في لبنان تضطر حزب الله الى التراجع لشمال الليطاني، لكن واشنطن رفضت ذلك، لانها تخشى اندلاع حرب واسعة.
اين هو الجيش؟
وحذرت الصحيفة نفسها من مغبة مثل هذه الحرب، ورأت أن الحل يكمن في وقف الحرب على غزة، استعادة الرهائن، وترتيب الأمور مع لبنان، والتعاون مع الولايات المتحدة ضمن صفقة سياسية كبيرة تشمل تحالفاً مع السعودية، وبناء محور مناهض لإيران. وتساءلت الصحيفة عن أي جيش يتحدث سموتريتش وغيره لخوض حرب في الشمال، وقالت ان عليه ان يسأل عددا كبيرا من الجنود المصوتين له: ما هو مستوى التآكل في الوحدات النظامية التي تحارب حماس منذ أكثر من ثمانية أشهر؟ وكيف يشعر جندي الاحتياط الذي استدعي للمرة الثالثة للخدمة بالأمر 8 ويترك وراءه عائلة مشتاقة ومصلحة تجارية متعثرة أو سنة دراسية ضائعة؟ وما حجم التسليح الدقيق لدى سلاح الجو إزاء قرار الإدارة الأميركية تأخير الإرسالية التي تشمل 3500 قنبلة ثقيلة؟ وما هو العلاج المطلوب للدبابات وناقلات الجنود بعد ساعات التشغيل الكثيرة؟ ومن هم العسكريون الذين يقدرون على القيام بعملية خاطفة وسريعة، التي ستهزم حزب الله؟ وما مدى استعداد الجبهة الداخلية في “إسرائيل” للتعامل مع إطلاق يومي لآلاف الصواريخ والقذائف والمسيرات من لبنان ؟
تضليل الجمهور
ولفتت الصحيفة الى ان سموتريتش يضلل الجمهور حين يصف الحرب ضد حزب الله بأنها “حاسمة وسريعة” وذلك لأنها ستتطور إلى حرب إقليمية، ومشكوك في أن الجيش الإسرائيلي جاهز لها، وربما تمس بالجبهة الداخلية مساً شديداً وتكلف آلاف الإسرائيليين حياتهم.
النقص في عديد الجيش
ووسط حملة التهويل بالحرب، كشف وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت، امس، عن حاجة الجيش إلى 10 آلاف جندي إضافي فورا، فيما أفادت قناة عبرية بوجود زيادة كبيرة في عدد الضابط الذي يطلبون التقاعد من الخدمة العسكرية. ونقلت إذاعة الجيش عن غالانت قوله للجنة الخارجية والأمن في الكنيست: نحتاج إلى 10 آلاف جندي فورا. ويمكننا تجنيد 4 آلاف و800 من اليهود المتدينين (الحريديم).
طلبات التقاعد تتزايد
وضمن أزمة نقص جنود وضباط الجيش الإسرائيلي، كشفت القناة “12” الاسرائيلية عن وجود زيادة كبيرة في عدد الضباط الذين يسعون إلى التقاعد من الخدمة. واشارت الى انه منذ بداية الحرب، طلب حوالى 900 ضابط برتبة نقيب ورائد إنهاء عقودهم، بينما في المتوسط، يتقاعد ما بين 100 و120 ضابطا في هذه الرتب سنويا. وأوضحت القناة أن الضباط تحدثوا عن شعورهم بعدم التقدير وأن الشعب وبعض السياسيين ينزعون الشرعية عن الجيش، في إشارة إلى المسؤولية عن الإخفاقات في مواجهة حماس، واعتبرت أن التحدي أمام الجيش الآن هو إبقاء هؤلاء الضباط في الخدمة.
يديعوت صواريخ
وفي سياق متصل بجهوزية المقاومة، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية ان إيران زودت مؤخرا حزب الله باسلحة نوعية، ومن بينها أنظمة دفاع جوي بالغة الأهمية، يحتاج اليها الحزب لمواجهة ضربات القوات الجوية الإسرائيلية في جنوب لبنان. ولفتت الصحيفة الى ان هذه الشحنات كانت السبب الحقيقي وراء تمكن حزب الله من اعتراض خمس طائرات دون طيار تابعة للجيش الإسرائيلي، وإطلاقه النار بانتظام على طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، بالإضافة إلى أنه نجح مؤخرا في إسقاط طائرة “هيرمس 900” باستخدام صاروخ أرض جو. وبحسب الصحيفة، زادت طهران ايضا من كميات صواريخ الماس المضادة للدبابات.
وتيرة هجمات حزب الله؟
في هذا الوقت، أكد تقرير أجراه معهد “علما” الإسرائيلي أنّ وتيرة الهجمات، التي شنّها حزب الله خلال شهر حزيران الماضي، تقترب من تلك التي شهدها أيار ، والذي يمثّل حتى الآن الشهر الاعنف في المواجهات التي نفّذتها المقاومة منذ تشرين الأول. وفي التفاصيل التي أوردها المعهد، نفّذ حزب الله، خلال الشهر الماضي، 288 هجوماً ضدّ إسرائيل، متوسطها 9.6 هجمات يومياً، في مقابل 320 هجوماً في أيار، معدلها 10 هجمات يومياً. وبحلول منتصف الشهر، كانت كثافة نيران حزب الله عالية، ولا سيما في أعقاب اغتيال الشهيد طالب سامي عبدالله، “أبي طالب”، في الـ11 من حزيران. وأضاف المعهد أن الهجمات استمرت رداً على اغتيال الشهيد عبدالله مدة 3 أيام، و”كان عددها مرتفعاً جداً”. أما بعد ذلك، وتحديداً في الـ15 من الشهر، والذي تزامن مع عيد الأضحى، فأبطأ حزب الله هجماته. أما في ما يتعلق بالوسائل المستخدمة، فكانت الصواريخ المنحنية المسار هي السلاح الأكثر استخداماً. ووفقاً لتحليل “علما”، بلغ عدد عمليات قصف الصواريخ منحنية المسار 144 في حزيران، وهو أعلى قليلاً من الرقم المسجّل في أيار. في المقابل شنّ حزب الله، خلال الشهر الماضي، 6 هجمات، استخدم فيها صواريخ “أرض – جو”، بما في ذلك إسقاط طائرة مسيّرة من طراز هيرمز 900 .
المسيرات الانتحارية
أما الهجمات الصاروخية المضادة للدبابات، فانخفض عددها بصورة ملحوظة خلال الشهر الماضي، بحسب ما أورده المعهد، بحيث وقع 57 هجوماً، تم فيه استخدام الصواريخ المضادة للدبابات، مقارنةً بـ95 في أيار. في ما خصّ الهجمات التي تمّت عبر الطائرات المسيّرة، أورد “علما” أنّ ثمة انخفاضاً عاماً من ناحية العدد، إلا أنّه كان هناك ارتفاع في عدد المسيّرات الانتحارية التي أطلقها حزب الله. وبهذا، يبلغ عدد الهجمات التي نُفِّذت ضدّ “إسرائيل” من لبنان، 2295، منذ اندلاع المواجهات عند الحدود الفلسطينية – اللبنانية، في الـ8 من تشرين الأول.
بكركي: حزب الله ليس ارهابيا
في هذا الوقت، وعلى خط معالجة العلاقة بين بكركي و “الثنائي الشيعي” والمجلس الشيعي الاعلى، وبعد وساطات عبر “وسطاء” بين الجانبين، اعلن المسؤول الاعلامي في بكركي وليد غياض أن “لا نية باستهداف حزب الله ولا بوصفه بالارهابي، والبطريرك لم يقصد حزب الله ولا المقاومة في الجنوب التي نقدر كل تضحياتها وما انجزته من انتصارات كانت محقة وتحية الى كل الشهداء الذين يسقطون في الجنوب. وشدد على أن التواصل بين بكركي وحزب الله مستمر، وقال “لو كان البطريرك اعتبر حزب الله ارهابيا لأوقف التواصل معه لأنه لا يحاور ارهابيين. وكشف غياض ان “سفراء طلبوا من البطريرك وصف حزب الله بالارهابي، وقد رفض هذا الأمر رفضاً قاطعاً مؤكداً ان الحزب فريق لبناني”.
“خارطة طريق” مريبة!
وفي خطوة “مريبة”، تحمل اكثر من علامة استفهام في توقيتها ومضمونها، تداعى نواب المعارضة الى اجتماع في مجلس النواب تحت عنوان” رفضا لجر لبنان الى الحرب”. وطرحوا ما اسموه رؤيتهم عبر خريطة طريق من اربع نقاط تسحب فتيل التصعيد وتجنب لبنان حرباً مدمرة وهي تختصر، بعدم ربط المسارين اللبناني والفلسطيني لجهة ما يحصل في غزة وضرورة الفصل بينهما. تأكيد أهمية وضرورة تطبيق القرار 1701 بمندرجاته كافة، وتطبيق قراري الشرعية الدولية 1559، و1680. ودعا البيان حكومة تصريف الأعمال الى ممارسة مسؤولياتها عبر المبادرة فوراً إلى وضع حد لكل الأعمال العسكرية خارج إطار الدولة اللبنانية وأجهزتها والتي تنطلق من الأراضي اللبنانية ومن أي جهة كانت وإعلان حالة الطوارئ في الجنوب وتسليم الجيش اللبناني زمام الأمور.عقد جلسة مناقشة نيابية لموضوع الحرب الدائرة في الجنوب ومخاطر توسعها، وتبني نواب الأمة النقاط الأربع، كخارطة طريق لنزع فتيل التصعيد وتجنيب لبنان حرباً، لا يريدها اللبنانيون، ولم تتخذ المؤسسات الشرعية الرسمية اللبنانية قراراً بخوضها.
ماذا وارء البيان “المعارض”؟
وفيما اعتبرت مصادر نيابية الخطاب المستخدم بانه حمل مفردات “سيئة”، وهو يزيد الشقاق الداخلي دون اي مفاعيل على الارض يمكن صرفها، ومجرد تقديم “اوراق اعتماد” للخارج في توقيت دقيق وحساس جدا، لم تخف مصادر معارضة ان موقفها “رسالة” الى الخارج بوجود اصوات مغايرة لا توافق على استراتيجية حزب الله. ولفتت الى ان هذا البيان مجرد بداية لتحرك مقبل. من جهتها، اعتبرت اوساط الحزب التقدمي الاشتراكي انها مع الدعوة للمناقشة في ملف الحرب الدائرة في الجنوب، ولكنها اكدت ان الحزب يقف دون اي التباس مع ابن الجنوب ضد “اسرائيل”. بدورها اعتبر التيار الوطني الحر انه يجب معرفة الهدف الحقيقي من وراء الدعوة الى النقاش، لان البلاد تحتاج الى المزيد من الوحدة لا زيادة الشرخ.