كتب فؤاد بزّي في “الأخبار”:
لم يترك تجار الحروب والأزمات في لبنان طريقاً للاستغلال بهدف زيادة أرباحهم، إلا سلكوه. ففي ظل غياب الدولة، وتناسيها 11 شهراً للحرب الدائرة على حدودها الجنوبية، وما تحتمه من ضرورة تأمين مستلزمات النزوح لشعبها، ومنها على سبيل المثال فرشات الإسفنج اللازمة للإقامة في مراكز إيواء النازحين وتجهيزها، أفرغ تجار الإسفنج «إبداعاتهم» في استغلال حاجة ضرورية للنازحين من فرش وأدوات منزلية، وعمدوا إلى مضاعفة أسعارها بما يصل إلى أربع مرّات. ما حصل في اليومين الماضيين، أنه بنتيجة النزوح الكبير لأهالي القرى والبلدات التي تعرّضت للعدوان الإسرائيلي في الجنوب والبقاع، زاد الطلب على المفروشات البسيطة، وفرشات الإسفنج تحديداً. فعمد عدد كبير من تجار المفروشات إلى الامتناع عن بيع الفرشات الإسفنجية العادية، أو عرضها للبيع بأسعار تتراوح بين 25 و35 دولاراً. قبل الحرب «كانت معامل الإسفنج تسلّم تجار البيع بالتجزئة الفرشة العادية بقياس 190 سنتم طول، و60 سنتم عرض، و7 سنتم سماكة، بين 7 و9 دولارات»، بحسب صاحب أحد مصانع الإسفنج. إنّما، لم يوضح صاحب المصنع الكلفة الحقيقية لصناعة المتر المربع من الإسفنج، متذرعاً بـ«عدم قدرة الجمهور على فهم طريقة احتساب السعر». في المقابل، كان التاجر يبيع هذا النوع من الفرشات، وهو الأرخص في السوق، بمبلغ يتراوح بين 11 و12 دولاراً، أي بهامش ربح يتخطى 30% بقليل. أما الآن، وبعد مضاعفة الأسعار، فقد بلغ هامش الربح 380% على الفرشات فقط.
أمس، وتحت ضغط حركة النزوح، تحركت وزارة الاقتصاد. «بدأنا جولة على كل محال بيع فرشات الإسفنج، والمصانع لمعرفة الكلفة الحقيقية»، يقول المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد أبوحيدر، مؤكّداً «ارتفاع أسعار فرشات الإسفنج، وتعاون الوزارة مع الأجهزة الأمنية لمكافحة هذه الظاهرة». في البقاع مثلاً «خاطبنا النيابة العامة لجلب صاحب أحد المصانع لأنه يبيع بسعر أعلى من سعر المبيع المسجّل قبل أسبوعين، فأوقف لأنّه رفض التجاوب مع الوزارة وإبراز الفواتير المطلوبة. وأجبره القضاء على الاستمرار بفتح مصنعه وتصنيع الفرشات»، وفقاً لبوحيدر. وفي الجنوب أيضاً، «أجبر القضاء أحد أصحاب مصانع فرش الإسفنج على إعادة فتح مصنعه».
كان تقييم الجولة، بالنسبة إلى أبوحيدر، جيداً. وبالتالي، «ستستكمل الجولة اليوم، وستقوم مديرية المخابرات في الجيش بمؤازرة مراقبي وزارة الاقتصاد، فضلاً عن عناصر أمن الدولة». أما في نتائج جولة أمس التي قامت بها أجهزة الوزارة، فقد تبيّن أن «سعر فرشة الإسفنج، على باب المصنع، يتراوح بين 7 و18 دولاراً، بحسب نوعها وسماكتها». وتبيع هذه المصانع بالجملة للأفراد والتجار والمنظمات الأهلية وغير الحكومية، وحتى للهيئة العليا للإغاثة. ولكن «ما فوجئنا به»، يقول بوحيدر، «مضاعفة أسعار المبيع في نقاط البيع بالمفرق». لذا «سُطّرت محاضر الضبط بالبائعين المخالفين، وأحيلوا إلى القضاء. ولكن، لن نكتفي بمحضر ضبط ضد المخالفين، بل نأمل من القضاء أخذ أشد الإجراءات ضدّهم، مثل التوقيف، أو الإلزام بالبيع بسعر محدّد، أو حتى المصادرة وتوزيع الفرشات على النازحين».
ورداً على الحملة، قام تجار المفروشات في أكثر من محلة في بيروت وجبل لبنان أمس بإخفاء فرش الإسفنج، والتذرع بـ«نفاد البضاعة»، وفتح سوق سوداء لبيع الفرشات بالسرّ. في منطقة الأوزاعي مثلاً، الفرش غير موجودة في صالات العرض، أو أمام المحال. إنما تظهر عند السؤال عنها، وسعر العادية منها يصل إلى 25 دولاراً. ولكن، اشترط أكثر من صاحب محل أنّ يقوموا هم بإيصال البضاعة، لتتم عملية البيع بعيداً عن محالهم. وفي منطقة الرحاب، تكرّر المشهد ذاته أيضاً. وعلى «طريق صيدا القديمة»، تذرّع صاحب محل مفروشات يبيع الفرشة الواحدة بـ 30 دولاراً بـ«تدمير مصنعه في الجنوب»، ما دفعه إلى شراء البضاعة من مورّدين آخرين بسعر 20 دولاراً للفرشة الواحدة.
«التاجر مثل المنشار، على الطالع بدّو ياكل، وعلى النازل بدّو ياكل»، تقول هدى التي تشتري كمية من الفرشات لإرسالها إلى «المدرسة الكويتية في البسطة التحتا في بيروت». تضيف: «أمس، اشتريت 100 فرشة منه بـ 1400 دولار، أي بـ 14 دولاراً لكلّ فرشة. أما اليوم، فيطلب 18 دولاراً للفرشة الواحدة، وهي من النوع ذاته». وبعد عدّة محاولات، فضلت هدى اللجوء إلى أحد سائقي الشاحنات، إذ ينتقل بشكل يومي من بيروت إلى البقاع لتحميل فرشات الإسفنج من أحد المعامل هناك. ويتسلّلم الفرشة من المعمل بـ 12 دولاراً، ويبيعها في بيروت بـ 14 دولاراً، أي بزيادة دولارين فقط، وهذا سعر معقول، تختم هدى.