“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
يؤكد زوار مرجعيات سياسية، أن موضوع قيادة الجيش لم يُحسم بعد، وسط تضارب في الخيارات يدور بين نظريتين. الأولى تتحدث عن ارتفاع احتمالات التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون للمرة الثانية على التوالي بوصفه الخيار الأقل كلفة. ويستمد هذا الخيار قوته من الضرورات الحالية التي تُحتم على الجميع السير بما هو متوفر من حلول، بالإضافة إلى وجود فريق مؤثر يعتبر أن قائد الجيش بات يمثل الموقع المسيحي الأول والوحيد في السلطة ومن غير الجائز عزله لمصلحة أي طرف آخر. النظرية الثانية تستمد جزءاً من شرعيتها من نظيرتها الأولى. إذ تعتبر أن الضرورات التي تُحرّم “عزل” المسيحيين من الموقع المسيحي الوحيد والمتبقي تعطي شرعية لاتخاذ إجراءات إستثنائية بما يشمل إجراء تعيينات عسكرية بحيث لا يصبح أي حل مرهوناً بالأشخاص، ما يحيي النقاش في مسألة إجراء تعيينات “3D ” تشمل قيادة الجيش و المجلس العسكري دفعة واحدة، وربما تتمدّد إلى تعيينات أمنية وذلك بعد إنجاز توافق سياسي يفضي إلى إقرار “التعيينات” عبر مجلس الوزراء.
خلال الأسبوع الماضي، زار وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم عين التينة والتقى برئيس مجلس النواب نبيه بري. ما تسرّب من الإجتماع يشير إلى أن الرجلين تبادلا وجهات النظر حيال الأزمة المتشعبة في قيادة الجيش.
فُهم أن وزير الدفاع يعمل على تسويق حلول أساسها فكرة إجراء تعيينات عسكرية عبر مجلس الوزراء تشمل قائد الجيش وأعضاء المجلس العسكري. وما فُهم أيضاً أن موقع رئيس الأركان لن يشمل القائمة المقترحة على اعتبار أن مجلس الوزراء سبق له أن عيّن حسان عودة رئيساً للاركان بعدما رقّاه إلى رتبة لواء. وبالتالي يكفي تأمين الحل في المواقع الأخرى كي ينسحب على وضعية رئيس الأركان الملتبسة، بحيث تنشر مراسيم ترقيته وتعيينه إلى جانب مراسيم ترقية وتعيين الضباط المقترحين لتولّي المسؤولية.
غير أن موضوع كالذي يُطرح يحتاج أولاً إلى مشاركة وزير الدفاع “المقاطع لجلسات مجلس الوزراء” وثانياً إلى “تغطية” يوفرها رئيس “التيار الوطني الحر ” النائب جبران باسيل وقبل ذلك جواً سياسياً داعماً و مؤازراً.
تقول المعلومات الحالية إن باسيل بات في صورة إجراء تعيينات على مستوى قيادة الجيش. وفُهم من المتواصلين معه أنه لا يمانع إتخاذ مثل هذه الخطوة، لكنه يضعها في سياق الحاجة مسبقاً إلى نقاش سياسي عميق. وما فُهم أيضاً أن باسيل يريد بتّ ملف قيادة الجيش شخصياً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما تقرأ مصادر أخرى محاولة “سلطنة” يذهب باسيل إليها، معتقداً أن بإمكانه إجراء مقايضة بين دعمه للفكرة التي تسوّق لها عين التينة أي إجراء جلسات تشاور (أو حوار) تفضي إلى جلسات متتالية لمجلس النواب تؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية وقبوله “تغطية” جلسة تعيينات عسكرية في مجلس الوزراء تتولى إجراء تعيينات حصراً في قيادة الجيش من خلال لائحة يتم تقديمها ويكون شريكاً في إعدادها، وهو ما تعتبره مصادر مناوئة لرئيس التيار بمثابة “محاولة يهدف باسيل من خلالها إلى تطويق العهد المقبل بأسماء وبرنامج محدد”.
في مقابل هذا الهرج، تسوّق مرجعية سياسية قدرتها على “إقناع باسيل” كاشفةً أنه سبق لرئيس التيار أن أدلى بمواقف خلال جلسات نقاش داخلية فُهم منها عدم ممانعته منح تغطية إلى “وزير أو إثنين” للمشاركة في جلسات مجلس الوزراء “محددة البرنامج” متى تمّ التوصل إلى اتفاق، شرط أن ترتبط فقط بإجراء تعيينات ضمن قيادة الجيش حصراً.
عملياً، لا يستسيغ الرئيس بري كل هذه المحاولات. ما يُنقل عنه أخيراً يؤكد أنه متريث إلى أبعد مدى في مناقشة ملف التمديد لقائد الجيش على اعتبار أن الاوان لم يحن بعد. كذلك يظهر أنه لا يقفل الأبواب أمام مناقشة احتمالات أخرى من بينها التعيينات في المؤسسة العسكرية، إلى جانب تفضيله أن يكون الحل في مجلس الوزراء لا مجلس النواب.
في المقابل ثمة طرح يتولد من بنات الأفكار المطروحة، يتصل بمدى مقبولية إجراء تعيينات عسكرية فقط من دون أن تشمل مواقع أمنية أخرى سوف تشغر تباعاً على مستوى المديرية العامة للأمن الداخلي والمديرية العامة للأمن العام. إذ يُحال اللواء عماد عثمان (الممددة خدمته) إلى التقاعد منتصف شهر أيار من العام المقبل فيما يحال اللواء الياس البيسري مطلع شهر كانون الأول القادم. لذلك ينقل زوار عين التينة، أن بري، طلب إلى سليم خلال اجتماعهما الأخير، أن يقوم بإعداد لائحة أسمية تشمل المقترحين من قبله للتعيين في قيادة الجيش وأعضاء المجلس العسكري وتشمل أسمي المدير العام للإدارة والمفتشية العامة.
في مقابل هذا النقاش، يستحضر معنيون المحاولات الرامية –كما يقولون- إلى توفير ظروف أكثر مقبولية أمام قائد الجيش كي يحظى بقرار تمديد ثانٍ.
فرئيس الأركان اللواء حسان عودة في وضعية اعتلال قانوني وثمة طعن مقدم في حقه بما لا يمنحه القدرة على الحلول مكان قائد الجيش في حال إحالة الأخير إلى التقاعد في العاشر من كانون الأول المقبل. أمّا بالنسبة للرتبة الأعلى التي يمثلها عضو المجلس العسكري اللواء بيار صعب، والتي روج لفترة طويلة أن بإمكانه تولّي موقع قيادة الجيش في ظل دهم الفراغ ووضعية “الإعتلال” في تعيين رئيس الأركان، فهذه سقط احتمالها في ضربة “مجلس شورى الدولة” الذي أوقف تنفيذ قرار وزير الدفاع تأجيل تسريح صعب مدة عام تنتهي في 27 أيول 2025. ويقال إن رئيس “الشورى” القاضي فادي الياس ألزم العضو الماروني القاضي يوسف نصر الحضور بعدما اعتذر عن جلسة الثلاثاء الماضي بداعي المرض. وقيل إن القاضي نصر أُحضر من المستشفى حيث كان يخضع للعلاج على كرسي متحرك مزوداً بأنابيب الاوكسجين. ربطاً بالنتيجة، أصبحت إحالة صعب إلى التقاعد في الـ27 من الجاري حاصلة إلاّ إذا إتخذ “شورى الدولة” قراراً برد الطعن.
بناءً على ما تقدم، ثمة من ينظر إلى كل هذه التطورات بوصفها تفيد في الدرجة الأولى قائد الجيش العماد جوزاف عون إذ تهيئ ظروف إبقائه في موقعه عاماً إضافياً.