الجمهورية – جورج شاهين
لم يكن مستغربا ان تتشابك الاهتمامات السياسية والديبلوماسية لهذا الاسبوع قياسا على حجم الخيارات الداخلية والاقليمية المطروحة على السلك الديبلوماسي الذي يخوض سباقا محموما مع الخيارات العسكرية من دون قدرة اي منهما على الاستغناء عن الآخر. والدليل يظهر في ما شهده اول ايام الاسبوع من مواجهة خاطفة ومحدودة بين اسرائيل و”حزب الله”، والتمديد في منتصفه لقوات “اليونيفيل” في ظروف اوحت في نهايته بالتمديد للحرب أيضا. وعليه ما الذي يقود الى هذه المعادلة؟
بصمت مطبق مارسته الديبلوماسية اللبنانية ومعها البعثة اللبنانية لدى الأمم المتحدة وبعض العواصم الغربية ولا سيما منها باريس، خاضت وزارة الخارجية معركة ديبلوماسية منذ أكثر من شهرين لتوفير الظروف التي تسمح بالتمديد لقوات حفظ السلام الدولية (اليونيفيل) العاملة في الجنوب لمدة سنة كاملة وتجاوز مجموعة المحاذير التي كانت مطروحة للتعديل. فمهمات هذه القوات وامكان تغيير “قواعد الاشتباك” المعتمدة في عملها اليوم كانت مطروحة منذ ان جرى تعزيزها بقوات إضافية رفعت عديدها إلى ما يزيد على اثني عشر ألفا من 36 دولة تكونها هذه القوات بمختلف أجهزتها اللوجستية والعسكرية والادارية والاعلامية والاتصالات وصولا الى الوحدات البحرية التي استحدثت بعد حرب تموز 2006 الى جانب سلاح الطيران المروحي المعتمد لديها من دون تجاهل الوحدات والاجهزة الاجتماعية التي شكلت لتعزيز كل أشكال التعاون مع محيطها الشعبي بما قررت تقديمه من خدمات طبية واجتماعية وكهربائية وصولا الى العناية بالمزارع الحيوانية والرعاية الثقافية وتعليم اللغات الأجنبية.
على هذه الخلفيات عبر الاستحقاق باقل كلفة ممكنة، وتم التجديد لهذه القوات عاما اضافيا وباقل من 25 دقيقة تم التصويت على مشروع التمديد الذي قدمته البعثة الفرنسية التي كانت “حاملة القلم” لهذه الدورة بإجماع الأعضاء الخمسة عشرة على رغم من مجموعة الملاحظات التي عبر عنها رؤساء البعثات الديبلوماسية وخصوصا بما يتعلق بالانتشار المسلح “غير الشرعي” جنوب نهر الليطاني عدا عن الانتقادات القاسية التي نشأت منذ ان فتح “حزب الله” النار في اتجاه الاراضي اللبنانية والفلسطينية المحتلة في 8 تشرين الأول الماضي تحت شعار “إسناد” المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة قبل ان يطرح شعار “على الطريق الى القدس” وما شهدته المنطقة طوال الأشهر الإحدى عشرة الماضية.
ومرد هذا القلق يعود الى الالتباسات التي رافقت التمديد لـ”اليونيفيل” في آب 2022 والتي لم تتنبه لها بعثة لبنان في الأمم المتحدة فدفع مسؤولوها الثمن. فاستبدلت رئيسة البعثة بمن خلفها، واجريت التغييرات التي كادت ان تتسبب بازمة حقيقة بعدما هدد “حزب الله” في تلك المرحلة باعتبار القوات الدولية “قوة احتلال” ان لم تلتزم بالتنسيق مع الجيش اللبناني ووقف دخول الأحياء السكنية في القرى الجنوبية من دون مواكبته مخافة الوقوف على ما فيها من مخازن اسلحة وصواريخ ظهرت في الأشهر القليلة الماضية في داخلها واوديتها. وكان ذلك سببا بان تؤكد قيادة “اليونيفيل” بانها لن تغير في “قواعد الاشتباك” المعتمدة قبل التعديل الاخير وانها “مستمرة طوعا” بالتعاون مع الحكومة اللبنانية ممثلة بالجيش اللبناني.
والى هذه المعطيات التي دفعت الى الحملة الديبلوماسية المبكرة اكتشف الجانب اللبناني ان هناك مشاريع عدة للتعديل ونسب بعضها بالاضافة الى البعثة الاسرائيلية في نيويورك الى الموفد الرئاسي الاميركي الى لبنان عاموس هوكشتاين، وهو ما لم يظهر عنه شيء علني في لبنان طوال الفترة الاخيرة ولم يتداول به قبل ان تشن الحملة العلنية لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط وفي اوساط “الثنائي الشيعي” – التي توقعت انهاء خدماته نهاية عهد بايدن الحالي ايا كان خليفته في البيت الأبيض – على رغم من العلاقات المميزة التي جمعته بأحد ركنيه رئيس مجلس النواب نبيه بري والود الذي اظهره في التحضير لما يمكن تسميته “اتفاق الاطار” الخاص بالحدود البرية ليكون شبيها في شكله وليس في مضمونه بذلك “الإتفاق البحري” الذي فوجىء به اللبنانيون بداية تشرين الأول من العام 2022 عندما اطلق من عين التينة بدلا من اعتماد اي مركز آخر قبل ان يحال الملف الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي انيطت به وحده مسألة المفاوضات الدولية من ضمن الصلاحيات اللصيقة به التي لا يمكن تجييرها لأي طرف آخر في حال خلو سدة الرئاسة.
وعلى هذه الخلفيات تعددت الروايات حول المواجهة من اجل التمديد وبقيت تدور في الكواليس إلى ان أنجزت العملية الاربعاء الماضي، وتركت ما تركته من ارتياح لدى المراجع السياسية والديبلوماسة اللبنانية من دون ان تغير في واقع الامور شيئا على الاطلاق. فالمراجع المعنية رأت في التمديد الجديد بلا اي تعديل شكليا أو جوهريا مس بالقرارات السابقة وبالصيغة التي اعتمدت العام الماضي ما يوفر الضمان الدولي للبنان. ذلك ان في ما حصل مصلحة كبرى للدول الاوروبية المشاركة بوحدات منها في “اليونيفيل” بأعداد كبيرة كفرنسا وايطاليا واسبانيا. علما ان هذا الملف سيبقى مفتوحا على مصراعيه ولن يتوقف الامر بالنسبة الى مصير هذه القوات ودورها عند هذه المحطة بالنظر الى ما قد يطرأ من تعديلات. فمجلس الأمن الدولي صاحب القرار النهائي في هذا الشأن سيضطر للبحث في القرار 1701 ومقتضياته في اي لحظة ان تم التوصل الى وقف للنار في غزة وفتحت المفاوضات حول الحدود البرية في لبنان من اجل تظهيرها وتثبيتها كما رسمت العام 1923 وأودعت الدوائر المعنية في الأمم المتحدة والمؤكد عليها في اتفاقية الهدنة مع العدو عام 1949 وهو ما يقود حتما الى النسيان التدريجي لما يسمى “الخط الازرق” الجاري ترسيمه كخط للانسحاب الاسرائيلي منذ العام 2000 والملاحظات التي ادت الى اكتشاف 13 نقطة خلافية حول عدد النقاط التي تحتلها إسرائيل.
وعلى وقع هذه المعطيات، وما برز منها من مؤشرات دلت إلى ان التمديد لم يغير شيئا في واقع الامور وان ما جرى مجرد عمل روتيني سنوي كان يمر في السنوات السابقة من دون اي متابعة ولكن ما بات ثابتا ان التمديد لهذه القوات واكبه تمديد للحرب المشتعلة في الجنوب من ضمن ما سمي بـ “قواعد الاشتباك” وان احداث الاحد الماضي التي ضاعت بين كونها “عملية انتقامية” للحزب ردا على مقتل فؤاد شكر او “عملية استباقية” قامت بها اسرائيل لتعطيل مفاعيلها قبل ان يتبين انها “مضبوطة” و”محدودة” في زمانها ومسرحها ووقائعها واهدافها، ولن تقود الى “حرب شاملة” ولكنها لم تؤرخ لنهاية الحرب الامنية بين الطرفين ولم تغير في ما كان قائما من أشكال المواجهة قبل اغتيال شكر وهنية وقبلهما ما جرى في مجدل شمس السورية المحتلة التي عدتها اسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الاميركية ودول الحلف الدولي سببا قاد الى رفع مستوى العمليات الاسرائيلية التي تبرر اغتيال القادة الفلسطينيين واللبنانيين.
وعلى هامش هذه التطورات، بقيت العيون شاخصة الى ما يمكن ان يعكسه العدوان على غزة والضفة الغربية على الأحداث في لبنان وجنوبه مع التحذير من الموجة التصعيدية التي تهدد بعملية اكبر في لبنان بعد الاعلان عن هدنة الأيام السبعة في غزة لتطعيم الأطفال الفلسطينيين ضد الاوبئة الجديدة المنتشرة في القطاع. ومرد هذه المخاوف الى انضمام وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت الذي كان ينصح نتنياهو نتيجة خلافه معه بالمضي نحو اتفاق الهدنة في غزة ومشروع تبادل الأسرى بالمعتقلين الى “توسيع أهداف الحرب في لبنان” وأنه سيعرض ذلك على نتنياهو الأمر ذلك “ان المهمة في الشمال لم تنته بعد”.