كتبت “الأخبار” تقول: سمع معظم الوسطاء والموفدين تأكيدات بأن الحزب ليس في وارد إلغاء الردّ، ويدرس خياراته وفقاً لاعتبارات، من بينها المفاوضات حول غزة
لا تزال «الحرب المحدودة» قائمة على الجبهة الشمالية، حيث يواصل حزب الله عمليات الإسناد وقصف المواقع الإسرائيلية على طول الحدود وفي العمق، فيما يردّ العدو بالاعتداءات والاغتيالات. العدو الذي تجاوز الدائرة الحمراء الأولى باغتيال القائد الجهادي السيد فؤاد شكر في 30 تموز الماضي، يعتبر أن حزب الله يحاول تجاوز الدائرة نفسها بإدخاله مستوطنات جديدة في دائرة الاستهداف في الأسبوعين الماضيين، حتى قبل ردّه على عملية الاغتيال. وهو ما دفع إلى تصعيد اللهجة في إسرائيل إلى حدّ ما نقله رئيس مستوطنة كتسارين في الجولان عن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو من أن «هناك أسابيع صعبة سيكون بعدها أمن مستدام»، الأمر الذي فُسر إنذاراً بالاستعداد لمواجهة قاسية مع لبنان، سواء تمثّلت في أيام قتالية أو في حرب أوسع، علماً أن هذا لم يحل دون أن يسمع معظم الوسطاء والموفدين تأكيدات بأن الحزب ليس في وارد إلغاء قرار الرد على الاغتيال. لكنه يدرس خياراته وفقاً لاعتبارات عدة، من بينها ما يتعلق بالمفاوضات التي لم تُغلق حول غزة.ورغم حملة التهويل التي تمارس على لبنان من حرب إسرائيلية «قاسية»، تبقى قواعد المواجهة قائمة بانتظار الردّ، فيما تشير مؤشرات عدة إلى أن تزايد احتمالات الحرب لا يعني حتى الآن ترجيح خيارها. ومن بين هذه المؤشرات ما ذكرته وسائل إعلام العدو عن خلاف بين نتنياهو وقيادة جيشه التي ترى أن المدخل إلى الخروج من الأزمة التي يواجهها الكيان، في هذه المرحلة على الأقل، يمر من خلال اتفاق يوقف الحرب ويتضمّن صفقة تبادل ويمهّد الطريق للتوصل إلى تسوية في الشمال بدل التدحرج إلى مواجهة كبرى، ستدفع بموجبها إسرائيل أثماناً باهظة وغير مسبوقة.
والتصور السائد في كيان العدو هو أن فرص التصعيد الإقليمي ترتفع كلما سُدّت آفاق التوصل إلى تسوية توقف الحرب على غزة، ما يرفع من مستوى الضغوط على واشنطن للدفع نحو صيغة تسوية ما. وفي هذا الإطار، أكّد رئيسا الاستخبارات العسكرية، المنتهية ولايته اللواء أهارون حليف والجديد اللواء شلومي بيندر، أن هناك «إمكانية» لتوسّع الحرب لتشمل الساحة الإقليمية، لكن من دون أن يشيرا إلى أرجحية هذا السيناريو. فبعيداً عن التهويل، تقرّ جهات إسرائيلية عدة بمخاطر الحرب الموسّعة المتعددة الجبهات وتداعياتها على إسرائيل، إذ إن «التحديات في الشمال تفوق قدرة الحكومة الحالية التي لا تستحق الاستمرار» كما قال رئيس حزب «يسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان، مشيراً إلى أن «إطلاق مئات الصواريخ والمُسيّرات على الشمال دليل على عدم قدرة الحكومة على التعامل مع حزب الله». فيما حذّر رئيس وزراء العدو السابق إيهود أولمرت من أن «استمرار القتال وتوسّعه في الشمال سيزيدان في فرص اندلاع حرب شاملة، تشمل منظمات أُخرى إلى جانب حماس وحزب الله، مثل الحوثيين والميليشيات الإيرانية في سوريا والعراق». واعتبر في مقال في «هآرتس» أن «مثل هذا السيناريو يشكّل تهديداً كبيراً لإسرائيل، وهو ليس تهديداً وجودياً فورياً، لكنه سيناريو قد يتسبب بسقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، وعدد كبير من القتلى بين الجنود، وأضرار جسيمة في البنية التحتية الإسرائيلية في مناطق كثيرة، بما في ذلك المراكز الصناعية والتجارية. كما سيؤدي إلى تدهور ملحوظ في مكانة إسرائيل الدولية، وإمكان فرض عقوبات عليها من المحاكم الدولية التي تنظر في جرائم الحرب، وربما حتى فرض عقوبات من مجلس الأمن الدولي».
واصل العدو تعزيز إجراءاته واستعداداته لمواجهة الرد على اغتيال القائد شكر
واستناداً إلى «منظور المصالح الحقيقية لإسرائيل»، شدّد أولمرت على أن «وقف الحرب هو نقطة انطلاقنا نحو تغيير المسار، عبر إعادة المخطوفين، وتهدئة الحدود الشمالية، ومنح البلد فترة طويلة من الهدوء تتيح له التعافي، وبدء التئام الجروح، وإعادة بناء المؤسستَين الأمنية والعسكرية، وإعادة الحياة الطبيعية إلى جنوب البلد، وضمان عودة السكان إلى منازلهم». وفي الوقت نفسه، «يمكننا التوصل إلى اتفاق مع الحكومة اللبنانية، بوساطة من الولايات المتحدة وفرنسا، يتيح إعادة سكان الشمال إلى منازلهم وإبعاد حزب الله عن الحدود». وقال: «بعبارة أُخرى، وقف الحرب سيسمح بتحقيق ما كان يجب أن تكون أهداف الحرب الحقيقية».
وفي إقرار صريح بالتكيّف مع المعادلات التي يفرضها حزب الله، وبالعجز عن توفير مظلة الردع والأمن في مواجهة ردود حزب الله على اعتداءات جيش العدو، قرّر نتنياهو، خلال لقائه مع رؤساء المجالس المحلية والإقليمية لمستوطنات الجولان، بدء عملية تحديد الجولان ومستوطنة كتسارين ضمن إطار «مستوطنات خط المواجهة» التي تضم عدداً من المستوطنات القريبة من لبنان وتشكّل ساحة استهداف لعمليات حزب الله، «مع كل ما يترتب على هذا التحديد» من تقديمات مالية وإجراءات تحصين وغير ذلك.
وفي ظل قناعة العدو بحتمية ردّ المقاومة على اغتيال القائد شكر، واصل العدو تعزيز إجراءاته واستعداداته لمواجهة الرد، فيما لا يزال الشلل والإرباك يسيطران على شمال فلسطين المحتلة وصولاً إلى غوش دان وتل أبيب. وانعكس ذلك على حركة نتنياهو نفسه، إذ لم يسمح له الشاباك، أول من أمس، بزيارة منطقة خط المواجهة خوفاً على حياته، واقتصرت جولته على زيارة قاعدة رمات ديفيد الجوية على مسافة خمسين كلم من الحدود اللبنانية. كما طلب رئيس الشاباك رونين بار من كل المسؤولين والوزراء الحصول على إذن مسبق منه شخصياً حول تحركاتهم، بما يشير إلى قناعة لدى أجهزة العدو الأمنية، بأن حزب الله قد يكون قادراً على تحديد مكان أي مسؤول ويملك القدرة على استهدافه بقدرات صاروخية أو مُسيّرات لم يستخدمها حتى الآن. وهو مستجدّ لم يسبق أن واجهت إسرائيل ما يشبهه في كل تاريخها.
ميدانياً، كشف موقع «والاه» العبري أن حزب الله أطلق نحو 1091 صاروخاً في شهر تموز الفائت، بزيادة 3 أضعاف عن كانون الثاني من العام الماضي. فيما واصل الحزب سلسلة عملياته اليومية، فاستهدف أمس التجهيزات التجسسية في مقر وحدة المراقبة الجوية وإدارة العمليات الجوية في قاعدة ميرون الإسرائيلية، ما أدى إلى تدميرها. وقال مراسل إذاعة جيش العدو الإسرائيلي إن القاعدة أصيبت بعدد من الصواريخ المضادة للدروع، متحدّثاً عن وقوع أضرار داخلها. كما استهدف الحزب مرابض مدفعية العدو في خربة ماعر بصلية صاروخية وموقعَي المالكية ورويسات العلم، وتموضعاً لجنود العدو في محيط تلة الخزّان، وموقع حدب يارون، ومقر قيادة الفيلق الشمالي في قاعدة عين زيتيم قرب صفد، وذكرت القناة 12 العبرية أن حريقاً اندلع جراء سقوط صواريخ حزب الله.
ونعى حزب الله أمس الشهداء وسام حرقوص (طورا) وقاسم صالح حرقوص (طورا) وعقيل قاسم غريب (طير حرفا) وحسين محمد شقير (ميس الجبل) ومحمد محمود نجم (عيتا الجبل) وسعيد محمود ذياب (برج رحال). فيما نعت جمعية كشافة الإمام المهدي الشهيد الكشفي الطفل ذو الفقار فادي رضوان الذي استشهد في غارة على بلدة عيتا الجبل.