يترقب اللبنانيون حصيلة الاتصالات والمفاوضات الديبلوماسية التي استضافتها الدوحة جراء ارتباطها المباشر بمصير الأوضاع الأمنية في جنوب لبنان والمفتوحة على مسار التطورات العسكرية من غزة الى اليمن وصولاً الى طهران. ولم يعد في الإمكان تجزئة ملفات المنطقة بعضها عن بعض وإن كانت أنظار المواطنين تركز أولاً على مستقبل ما سيحصل في الجنوب وانعكاسات ردّي “حزب الله” وإيران المحتملين على إسرائيل في حال حصولهما ربطاً بمجريات ما ستنتهي إليه المفاوضات ولو أن المعنيين في “محور الممانعة” لم يعطوا أي إشارة إلى تراجعهم عن قرار الرد.
في بيروت حطت في الأسبوع الفائت ثلاثة وفود ديبلوماسية منضوية في مجموعة “الخماسية” الغائبة التي فرملت اتصالاتها في متابعة الملف الرئاسي الذي لم يعد مطروحاً في صدارة اهتمامات الكتل النيابية. وحظيت محطة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بالاهتمام الأكبر عند الأفرقاء، ومن غير المستغرب أن تتقدم على زيارتي وزيري خارجيتي فرنسا ستيفان سيجورنيه والمصري بدر عبد العاطي، من دون التقليل بالطبع من دورهما في لبنان. وفي المناسبة بنى كثيرون على كلام هوكشتيان ولو أن نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم وصف زيارته بـ”الاستعراضية” إلا أن كل تفاصيلها كانت محل متابعة وترقب لكل حرف أدلى به على مسمع الرئيس نبيه بري الذي لا يرى فائدة في إقفال أي نافذة ديبلوماسية، فكيف إن كانت مع الإدارة الأميركية التي لا تقصّر في دعم الحكومة الإسرائيلية وإن لم تكن تخفي حقيقة اعتراضاتها على بنيامين نتياهو. وخاطب بري هوكشتاين: “عن أي سلام تتحدث في المنطقة في ظل كل هذا الكمّ من المجازر التي يرتكبها نتنياهو ضد الفلسطينيين؟”.
وفي المناسبة جرى نسج الكثير من الأخبار المغلوطة عما دار بين الرجلين. وتبيّن أن هوكشتاين لم ينقل أي تهديد مباشر للبنان ولم يتطرّق أي منهما الى موضوع التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون.
وحصلت الزيارات في بيروت قبيل بلورة نتائج مفاوضات الدوحة التي تتولاها أميركا وقطر ومصر. ولا يبدو بري المتابع لحيثيات كل هذه الاتصالات في موقع المتفائل بل “المتشائل” حيال ما يتلقاه من معلومات عن حصيلة المفاوضات التي ستستكمل حلقتها الثانية في القاهرة، وإن لم يقطع خيوط الأمل لكنه ما زال عند موقفه وهذا ما شدّد عليه أمام هوكشتاين بضرورة إقدام إدارته على فرض ضغوط أكبر على نتنياهو لوقف إطلاق النار في غزة وانسحاب هذا المعطى على جبهة جنوب لبنان.
وتبقى خلاصة بري على ضوء ما قاله للموفدين ومفاده أنه “لو سئل كم يساوي 1+1 لأجاب: 1701″، في دلالة على تمسّك لبنان بالقرار الأممي.
وفي هذا الوقت دخل فيديو “حزب الله” عن منشأة “عماد 4” وأنفاقها حيّز المتابعة التي أراد أصحابها القول للإسرائيلي إنه بعدما نجح في عمليات “الهدهد” وتصوير مواقع حساسة في العمق الإسرائيلي وإظهاره عينات من الصواريخ التي يمتلكها بأنه قادر على إطلاقها نحو بنك الأهداف الموضوعة على الورق حتى الآن.
ويعتبر بري أن الحزب يمارس سياسة ضبط النفس ولا يريد جرّ لبنان الى حرب شاملة ليس خوفاً منها بل إنه يغلّب المصلحة الوطنية الجامعة في وقت لا توفر فيه واشنطن أي مسعى لدعم إسرائيل. ويكفي إرسالها هذا العدد من القطع والبوارج العسكرية الى المتوسط. ورغم كل ذلك لا يتلقى نتنياهو كل هذا الدعم بالترحاب لا بل أكثر إنه يتلاعب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، ولا يخفي عدم اكتراثه بكل ما يسمعه من الديموقراطيين وما يتلقاه من مساعدات منهم وهو لا ينفك بدعم الرئيس السابق دونالد ترامب ليعود الى السلطة في البيت الابيض.
أما في محطة سيجورنيه فلم يبدُ أنها ستزيد عما قدمه هوكشتاين ولو أن باريس تريد إثبات أنها ليست غائبة عن لبنان بعد كل إخفاقاتها في الملف الرئاسي. وتدرك كل الجهات أن مواقفها من نتنياهو تبقى تحت السقف وغير قادرة على توجيه أي انتقادات له وهذا ما برز في تصريحات سيجورنيه في تل أبيب. ورغم المشكلات التي يعانيها الإليزيه لن يترك لبنان.
وينقل عن ديبلوماسي فرنسي أنه إذا أقدمت إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية كبيرة إلى لبنان فستقدم فرنسا على الفور على دعوة مجلس الأمن الى عقد جلسة سريعة لوقف العدوان الإسرائيلي. ولا يأتي هذا الإجراء اليوم من باب إثبات شهادة أنها مهتمة بمصلحة اللبنانيين بل تساند شعبه في أكثر من محطة.
ولم تخرج زيارة سيجورنيه لبيروت عن إطار نظيره المصري عبد العاطي الذي شدّد في مضمون كلامه على ضرورة التوجه الى التهدئة ووقف الحرب في غزة مع التوقف عند توجيهه أكثر من رسالة الى إسرائيل يعترض فيها على ما ترتكبه في المنطقة وتسميته رفض ما تقوم به من عمليات اغتيال ومنها ما نفذته في الضاحية الجنوبية لبيروت مع تشديده على بذل كل الجهود لتجنيب لبنان والمنطقة الحرب.
وتبقى كل المحطات الديبلوماسية في بيروت من باب شراء الوقت الى حين بروز نتائج جدية في جولة القاهرة المقبلة من المفاوضات إذا تمكن أقطابها من ضبط جنوح نتنياهو وإجباره على السير بصفقة حقيقية لا يتنصّل من بنودها وإلا فستبقى الأمور في أحسن الأحوال على هذه المشهدية الحربية رغم كل أخطارها إن لم تسلك طريق الحرب الشاملة الى حين موعد الانتخابات الأميركية.
المصدر – النهار