الحرب مع العدو الاسرائيلي لا تنتهي، فهي تنتقل من جيل الى آخر منذ 75 سنة، والسبب ان الكيان الصهيوني الغاصب نشأ بفعل قرار استعماري، قام على وعد وزير الخارجية البريطاني ارثر بلفور في 12 تشرين الثاني 1917 ، وعلى معتقد ديني توراتي – تلمودي بعودة اليهود الى ارض الميعاد اي “اسرائيل الكبرى” ، التي تقوم حدودها من “الفرات الى النيل”. فتم الترويج لشعار بانه لا توجد ارض قامت عليها فلسطين، ما يعني لا شعب فلسطيني وهي ارض موعودة من الله “لشعبه المختار”، الذي حاول مرتين اقامة دولته عليها فكانت تنتهي ويسبى اليهود في العالم.وحصل ذلك ايام حكم البابليين قبل ثلاثة آلاف سنة من مجيء السيد المسيح، وفي عهد الرومان بعد 70 سنة من الميلاد وما سمي “باتفاقات سلام بين انظمة عربية، وكانت ظرفية بدأت مع توقيع “اتفاق كامب دايفيد” بين انور السادات ومناحيم بيغين عام 1978 ، ثم بين ياسر عرفات واسحق رابين عام 1994 بما عرف باتفاق “اوسلو”، وبعدهما عام 1995 اتفاق “وادي عربة” بين الملك حسين ورابين .
كل هذه الاتفاقات تدخل في اطار رسم خارطة “للشرق الاوسط” تكون فيها “اسرائيل” الدولة الاقوى تسليحا واقتصادا وتكنولوجيا، وتكون الدول الاخرى وشعوبها خدما لدى “الشعب المختار” الذي يصنف البشر، وهذا ما ورد في “توراتهم – التلمودية” التي نقلوها الى اديان اخرى، وتم تهويدها فظهرت “المسيحية الصهيونية” في اميركا ودول اخرى، التي لا تعترف بمجيء السيد المسيح، وان من اتى هو “المسيح الدجال” ، وكشرط لظهور المسيح يجب ان تقوم “اسرائيل الكبرى” من الفرات الى النيل، والتي قامت في التاريخ بما سمي مملكة داوود”.
هذا العرض للدلالة على اهل الصراع مع العدو الاسرائيلي، وهو ليس على الحدود بل على الوجود بين شعب صاحب الارض في فلسطين وكل محيطها في الهلال الخصيب، وبين اليهود الذين يخرجون من هذه الارض التي لجأوا اليها قبل آلاف السنوات، ويعودن بانها ارضهم وهم ورثوها منذ ايام ابراهيم ، الذي اتى من “اور” على نهر الفرات الى بلاد كنعان، ثم ذهب الى مصر وعاد اليها انساله من اسماعيل واسحق ويعقوب و”اسرائيل” الخ… وفق مزاعمهم واساطيرهم.
من هنا، فان الصراع على الارض وهويتها قد حولها العدو الاسرائيلي الى صراع ديني، الى ان جاء من يعتبر بان اليهود والمسلمين هم اخوة ومن نسل ابراهيم، وهذا ما ذكره الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر في كتابه “دم ابراهام” الصادر عام 1986 ، والذي يذكر فيه ان الرئيس المصري انور السادات اخبره بان العرب واليهود اخوة، وهذا ما مهد لاتفاق “كامب دايفيد” واقتنع رئيس حكومة العدو مناحيم بيغن به، لانه اعطى الحق “لاسرائيل” بالوجود وفق معتقد اليهود التوراتي. وعندما تنازل اسحق رابين عن الضفة الغربية او اجزاء منها (17%) للسلطة الفلسطينية، قتله مستوطن يهودي لانه تنازل عن “يهوذا والسامرة”، وهي “ارض اسرائيل”.
وفي عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ومع اسقاط العدو الاسرائيلي “لاتفاقيات السلام”، التي اعتبرها نتانياهو بانها لا قيمة لها، وبأن “اسرائيل” هي “مكان بين الامم” وهو عنوان كتابه الصادر في العام 1996 ، اي بعد توقيع معاهدات “السلام” التي فيها تنازلات عن “ارض اسرائيل”، فجاء الحل بما كتبه كارتر في كتابه من “رؤية للشرق الاوسط”، وهي تقوم على “دم ابراهام” الذي سماه ترامب “اتفاق ابراهام”، والذي يستند الى ان الصراع لا يجب ان يقوم بين الاخوة اليهود والمسلمين والمسيحيين، طالما هم متحدرون من النبي ابراهيم “ابو الديانات التوحيدية” فليكن السلام مظلته ابراهيم او ابراهام ، فيحصل اتفاق على السماء ولتترك الارض وهي “لاسرائيل”، التي اعترف ترامب في “صفقة القرن” التي اعتبرها مبادرته “للسلام” بالقدس عاصمة للدولة العبرية وبضم الجولان اليها، وان الضفة الغربية هي كما الجولان من “ارض اسرائيل”، فاسقط كل “اتفاقات السلام” السابقة واعلن عن “اتفاق ابراهام”، الذي سارعت دول الى الاعتراف والعمل به ،وذهبت اليه دول خليجية واخرى في المغرب العربي والسودان، واعاد نتيانياهو التذكير به في خطابه امام الكونغرس الاميركي
من هنا، فان الحرب وجودية ليس بين الشعب الفلسطيني والصهاينة، بل كل من هو على “ارض اسرائيل الكبرى” من “الفرات الى النيل” بما فيها لبنان، الذي يدعو البعض الى تحييده عن الصراع مع العدو الاسرائيلي، لانه يظن انه خارج مشروعه الذي يدافع نتانياهو عنه فيواجهه محور المقاومة لافشاله.
المصدر : الديار