لا خبر يتقدّم على تفاصيل الردّ الإيراني المشترك مع الحوثي وكتائب حزب الله العراقي والحزب في لبنان. وإن علا الخطاب الإيراني بأنّ خرق سيادته المهين سيكلّف نتنياهو غالياً، إلا أنّ ما يسرّب عن اجتماعات ورسائل دولية مع إيران يوحي بوجود إرادة جامعة لاستيعاب التصعيد. والأهمّ أنّ حلفاء نتنياهو وخصومه على حدّ سواء التقوا على جنونه وعلى إرادته استخدام أيّ ردّ ذريعةً لتبرير سلسلة من الضربات يريد أن يستهدف فيها مجموعة من الأهداف التي وضعها في خطّته منذ بداية حرب غزة.
تزامناً مع هذا الحراك الدولي المرتبط بالحرب، لا يزال حراك آخر مستتراً نوعاً ما، وهو حراك دبلوماسيّ بين سفراء مجلس الأمن والحكومة اللبنانية بشخص رئيسها نجيب ميقاتي بالتنسيق مع الرئيس نبيه بري في الداخل، وفي الخارج مع مرجعيات السفراء للوصول إلى تطبيق القرار 1701 فور الانتهاء من الأعمال القتالية.
10 أيّام صعبة تنتظر لبنان
منذ أيام أصدرت السفارة الأميركية بلاغاً تطلب فيه من رعاياها مغادرة لبنان فوراً ولمن لا يمكنه المغادرة طلبت منه أن يتحضّر للبقاء في المنزل لمدّة طويلة. تتفاوت هذه المدّة بحسب المصادر الدبلوماسية بين أسبوع وأسبوعين. ومنذ ذلك الوقت، بدأت السفارات تباعاً بدعوة رعاياها إلى المغادرة. ولهذا رسالة واضحة. أمام لبنان أيام عصيبة سيضرب فيها نتنياهو ما أمكنه من أهداف. انطلاقاً من هذا الجوّ، بدأت عائلات الضاحية الجنوبية لبيروت بالخروج من المنطقة وإيجاد منازل خارجها.
انطلاقاً من هذا الجوّ المُجمِع على مخطّط نتنياهو، تكثّفت الجهود الدولية مع إيران، وأبرزها أميركية وأردنية. أرسلت الولايات المتحدة الأميركية رسائلها إلى طهران كما أرسلت بارجتها الحربية إلى مضيق هرمز. كما أوفد العاهل الأردني وزير خارجيّته لمزيد من الضغط كي لا يتحوّل الصراع إلى حرب مفتوحة. بعد ساعات، أصدرت الخارجية الإيرانية مواقف لافتة تتضمّن ما يكفي من إشارات إلى أنّها لا تريد التصعيد. إذ قال المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية: “لا نسعى إلى زيادة التوتّر بالمنطقة، وقد وظّفنا جهودنا الدبلوماسية لوقف الحرب، وردّنا على الكيان الصهيوني سيكون في إطار القوانين والأعراف الدولية”. هل يمكن أن يكفي ذلك ليكبح جنون نتنياهو؟
يصعب الجزم، لكنّ كلّ المعلومات المرافقة للأيام المقبلة توحي بالتصعيد قبل التهدئة الكبرى، على أن يحصل ذلك قبل الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني. وهو ما يمكن أن يعتبر “تنظيفاً” و”ترتيباً” للمنطقة قبل العهد الأميركي الجديد بغضّ النظر عن هويّة الرئيس السياسية.
ميقاتي وسفراء مجلس الأمن: حان الوقت للتّسوية الكبرى
يتحدّث الرئيس ميقاتي أمام زوّاره عن خارطة طريق. وفيها يقول ميقاتي: it’s the time for a big settlement. ما هي التسوية الكبرى التي يتحدّث عنها ميقاتي؟ يقول وفد المعارضة، الذي زار السراي الحكومي وناقش مع رئيس الحكومة اليوم التالي للحرب، إنّه لا مفرّ للحزب من العودة إلى الشرعية اللبنانية. خرج الحزب من حرب تموز بالعودة إلى الشرعية والحكومة عبر القرار 1701، وهو اليوم يعيد الكرّة. بالعودة إلى خطاب نصرالله الذي قال فيه إنّ التفاوض حول الحدود يعود للدولة اللبنانية، يمكن قراءة ما يقوم به بري وميقاتي بشكل أوضح. وفي المعلومات أنّ كلّ اجتماعات ميقاتي مع سفراء دول مجلس الأمن تتمحور حول تطبيق القرار بناء على البنود التالية :
– انسحاب المظاهر المسلّحة إلى ما قبل الليطاني. وفي هذه النقطة إشكالية لأنّ هوكستين سبق أن تحدّث عن 10 كيلومترات عن الحدود، أي أبعد من حدود الليطاني في الجهة الشرقية حيث تفصل الليطاني عن الحدود 3 كيلومترات فقط .
– تثبيت الحدود وحلّ النقاط الخلافية، لا سيما خراج بلدة الماري.
– وقف الخروقات الجوّية والبرّية الإسرائيلية.
– انتشار الجيش اللبناني على طول الحدود بموافقة قوات اليونيفيل.
تريد إسرائيل من خلال تراجع قوات الحزب المسلّحة 10 كيلومترات أن تحدّ من مفعول صواريخ الكورنيت التي لا تستطيع السيطرة عليها لقرب المساحة الجغرافية التي تنطلق منها. بالإضافة إلى سعيها إلى ضمان أمن حدودها مرّة أخيرة بعد أحداث السابع من أكتوبر. وقد أصبح واضحاً سعي نتنياهو إلى فرض شروطه بالقوّة على أيّ تفاوض مقبل.
في المقابل، تحدّث رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي في عيد الجيش عن تعزيز قدرات الجيش اللبناني، بينما كان ينتظر منه أن يعلن تطويع ثمانية آلاف عسكري إضافي في الجيش، لكنّه لم يفعل. مصادر سياسية تقول إنّ الوقت لم يحن بعد لإعلان خارطة طريق اليوم التالي، لكنّ العمل بدأ عليها جدّياً. السراي الحكومي باتت خليّة نحل بسبب زيارات سفراء عواصم القرار ووزراء خارجية وغيرهم ممّن يشتركون في العمل. حتى ذلك الحين، يبدو أنّنا سنمرّ بأيام عصيبة على أمل الخروج منها إلى اليوم التالي في أقرب وقت ممكن.