طبقة كثيفة من الغيوم السوداء تلفّ المنطقة من أدناها إلى أقصاها، التصعيد العدواني الاسرائيلي باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية، والقيادي الكبير في “حزب الله” فؤاد شكر، فخّخ كلّ الجبهات من ايران الى العراق واليمن وصولا الى لبنان، حيث لا صوت يعلو على صوت الاحتمالات الحربيّة.
كما بات معلوما، فإنّ العدوان الاسرائيلي أدخل المواجهات إلى مدار آخر، وقابله توعّد متعدد الجنسيات بسلة ردود حربية مجهولة الزمان والمكان والحجم؛ إيران توعّدت بـ”عقوبة قاسية” ردا على اغتيال ضيفها وانتهاك سيادتها. الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله كان صريحاً وواضحاً في تأكيده أنّ الردّ على اغتيال “السيد محسن” سيحصل حتما. وكذلك فعلت المقاومة العراقيّة وزعيم الحوثيين في اليمن عبد الملك الحوثي الذي توعّد بدوره، بردّ عسكري على ما وصفه “التصعيد الخطير” من قبل اسرائيل.
الجلي في هذا التوعّد بالرد على اسرائيل من قبل هذه الاطراف، بالشكل الذي أطلق فيه، تعتريه جدية واضحة. واسرائيل سبقته وواكبته وأعقبته برفعها حالة التأهّب والإستنفار إلى المستوى الأعلى، وبإعلانها أنها جاهزة للتعامل مع كلّ السيناريوهات. كلّ ذلك وضع المنطقة على كفّ تفجير واسع، مفخّخ بصواعق مضبوطة على مواقيت مجهولة وغير محددة. ما يدفع تلقائيا إلى السؤال: إلى أين تتجه المنطقة؟ وأيّ مصير ستؤول إليه؟ وهل ثمّة إمكانيّة بعد لإطفاء فتيل التفجير قبل اشتعاله؟
تداعيات وربما مفاجآت؟
المشهد مفتوح، تتجاذبه درجة عالية من الترقب القلق، لما قد تخبئه الأيام المقبلة من تطورات وتداعيات وربما مفاجآت غير محسوبة. وكلّ التقديرات والتحليلات والقراءات للتصعيد الاسرائيلي باغتيال قياديين كبيرين من “حزب الله” و”حماس”، تجمع على أنّ هذا التصعيد خلط التوترات بعضها ببعض، وصعّب، إنْ لم يكن اطاح مفاوضات انهاء الحرب في قطاع غزة، وأطلق شرارة متعمّدة لإشعال كلّ الساحات، والانحدار بها الى حرب اقليمية أجمع العالم على التحذير من نتائجها وعواقبها الوخيمة.
استطلاع ديبلوماسي
لغة التهديدات والاستعدادات للحرب هي الطاغية في فضاء المنطقة، لم تبرز في موازاة ذلك اي محاولة ولو متواضعة لاحتواء الوضع، ما خلا محاولات استطلاع من قبل بعض الديبلوماسيين الغربيين حول جبهة جنوب لبنان، مقرونة برسائل دولية مباشرة تتوالى في اتجاه لبنان، قال مسؤول سياسي لـ”الجمهورية” أنها تشدّد على ضبط النفس وتجنيب لبنان حربا قاسية. وبعضها يسلّم بردّ “حزب الله” على اغتيال شكر، ويتمنّى لو يكون هذا الرد مدروسا ومضبوطا في حدود القواعد التي لا تجرّ لبنان الى حرب قاسية مع إسرائيل”. لكنّ هذه القواعد كما يقول المسؤول عينه قد كسرت، وبتنا امام حقبة جديدة بعد العدوان الاسرائيلي على الضاحية الجنوبية”.
قراءة متشائمة
على ان اللافت للانتباه في موازاة هذه الرسائل، هي القراءة المتشائمة التي نسبتها مصادر مطلعة عن كثب على حركة الاتصالات الديبلوماسية الى مسؤول دولي رفيع، فاجأ المسؤولين اللبنانيين بوضوحه وصراحته، ومفادها “ان المنطقة تتقدم بخطى سريعة نحو الحرب الواسعة. وما نراه من غليان يعكس نجاحا لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو خلق مناخات الحرب وجرّ، ليس فقط دول المنطقة الى الحرب، بل جرّ الولايات المتحدة الاميركية اليها، لهدف اساس هو توجيه ضربة قاصمة لإيران”.
المسؤول الغربي، وكما تنقل المصادر المطلعة، بدا في مقاربته لمشهد المنطقة راغبا في أن يرى لبنان خارج نطاق الحرب قبل وقوعها، ونقل عنه قوله ما مفاده: لا بد من وقف سريع لاطلاق النار على جبهة الجنوب، ومن مصلحة لبنان ان يسارع الى القيام بكل ما يتطلبه ذلك، ونعتقد أن الالتزام بالقرار 1701يشكّل عامل التهدئة الأساس”.
واكد المسؤول الغربي، لمسؤولين لبنانيين كبار” بعد اغتيال اسرائيل لاسماعيل هنية، صار الوضع في غزة أكثر تعقيدا، ومفاوضات انهاء الحرب، باتت خلف الاحداث، وخرجت نهائيا، أقله في الوقت الحاضر، من روزنامة المواعيد وبلورة الحلول، والمنطقة بصورة عامة تسودها اجواء حرب، ونخشى ان التلويح بالردود قد يسرّع باشتعالها. ورغم هذه الاجواء، ما زلنا نعتقد أنّ في مقدور لبنان أن يحيّد نفسه عن دائرة الحرب، ويتجنّب عواقبها الوخيمة، ومن هنا نرى أنّ على لبنان الّا ينتظر انهاء الحرب في غزة، بل يبادر الى أن يحاكي مصلحته، عبر استعداده لاحداث ثغرة إيجابية يتمكّن من خلالها النفاذ إلى حل ديبلوماسي مع اسرائيل في منطقة الحدود. وهي خطوة نرى انها ملحة للبنان، كمقدمة لتفرّغه في حل مشكلاته الداخلية واعادة تنظيم حياته السياسية بانتخاب رئيس للجمهورية.
سنواجه العدوان
وابلغ أحد هؤلاء المسؤولين الى “الجمهورية” قوله: النقاشات مع الموفدين واضحة وصريحة. وما زال كلام معظمهم، حتى لا نقول جميعهم، يدور حول البدايات وما طرح من افكار قديمة للحلول، ويقارب التطورات خصوصا في لبنان والجنوب، باستسهال، وكأن شيئا لم يحصل في الايام الاخيرة. في الخلاصة هم يقولون ما لديهم، ونحن نقول ما لدينا بجملة قصيرة” ملتزمون بالقرار 1701، ولا نريد الحرب، ولكن إنْ اعتدت اسرائيل على لبنان سنواجهها بكل ما نملكه لرد عدوانها وحماية بلدنا”.
وردا على سؤال، قال: “الآن، كل المنطقة تغلي، ولا أعتقد أن للسياسة مطرحا في هذه الأجواء، ومن هنا يمكن التأكيد أنّ الوضع صار مختلفا عما كان عليه، سواء في غزة بعد اغتيال هنية. وسواء على جبهة لبنان بعد اغتيال القيادي في حزب الله فؤاد شكر. والسيد حسن نصرالله قال صراحة اننا انتقلنا الى مرحلة جديدة، واما شكل المرحلة الجديدة، فهذا رهن بالميدان الذي سيرسم معالمها، واما متى، فما علينا ننتظر كيف والى أين ستتدحرج الأمور”.
المصدر – الجمهورية