وطنية – ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستهدي الإمام زين العابدين، في أسلوب تعامله مع أحد أقربائه الذي أساء إليه وهو أمام أصحابه، يومها قال لأصحابه: “قد سمعتم ما قال هذا الرجل وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا مني ردي عليه، (وعندما ذهبوا كانوا لا يشكون أن الإمام سيكون قاسيا معه)، ولكن في الطريق سمعوه يقول: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، فعرفوا أن الإمام يريد به خيرا. ولما وصل الإمام إلى بيت ذلك الرجل خرج متوثبا للشر. فهدأ الإمام من روعه، وقال: “يا أخي، إن كنت قد قلت ما فيَّ فأستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس فيَّ فغفر الله لك”.
كلمات قليلة كانت كافية لأن تجعل الرجل يقول: بل قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به… صار بعدها الرجل من أخلص الناس للإمام…
وهنا نسأل: ماذا لو بادل الإمام هذا الرجل بمثل فعله أو بأقسى من ذلك كما يحصل عادة، أكان حقق ما تحقق بأسلوبه…
إننا أحوج ما نكون إلى هذا الأسلوب لنبرد به التوترات التي تحصل داخلنا لنكون بذلك أكثر قوة ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات”.
أضاف :”والبداية من التصعيد الذي أقدم عليه العدو قبل أيام، والذي من الطبيعي أن تكون له تداعيات خطيرة لتجاوز هذا الكيان الخطوط الحمراء في إطار الصراع الجاري داخل فلسطين أو من مواقع الإسناد لها، وقد يدفع بالمنطقة إلى انفجار لن يكون العدو في منأى عن تداعياته. وذلك باستهدافه لعمق الضاحية الجنوبية وفي منطقة مكتظة بالسكان يشهد على ذلك سقوط عدد كبير من الشهداء المدنيين والجرحى وإغتيال أحد أبرز رموز المقاومة، والذي برره العدو الصهيوني بأنه يأتي على خلفية ما حصل في مجدل شمس، بحجة واهية لم يقدم العدو عليها دليلا، وحتى أنه لم يقبل بتحقيق محايد، والذي شهدناه بعد ذلك في اغتيال الرمز التاريخي والرجل الأول في حرمة “حماس” رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، والذي كان في استضافة الجمهورية الإسلامية في إيران، وفي ذلك تجاوز واضح للمواثيق الدولية واحترام سيادة الدول”.
وتابع :”لقد أراد العدو من سياسة الاغتيال التي بات يتبعها استعادة قدرة الردع التي فقدها في الميدان والإيحاء مجددا بأن يده لا تزال الطولى، وهو قادر أن يصل إلى أي مكان وبهدف إضعاف المقاومة التي أربكته وأربكت كيانه ولم يستطع أن يخمد جذوتها، لكنه لم يعِ بعد أن سياسة الاغتيال هذه لقادة المقاومة وأي من رموزها لم تؤد سابقا إلى إنهاء المقاومة، بل زادتها قوة وحضورا في الميدان ودفعت بها للمزيد في مواجهة هذا العدو.
لقد بات واضحا أن ما يشجع هذا الكيان هو الدعم الذي لا يزال يحظى به من الدول الداعمة رغم كل جرائمه، وهي التي تنشر اليوم بوارجها وآلتها العسكرية للدفاع عن هذا العدو.
إننا في الوقت الذي نتقدم بأحر التعازي للمقاومة في لبنان وفي فلسطين، لشهيديها اللذين انضما إلى قافلة الشهداء لنصرة القضية الفلسطينية وشعبها، وإلى أهالي الشهداء وذويهم سائلين المولى أن يحظى الشهداء بما وعدهم به الله وينالوا الكرامة عنده والشفاء العاجل للجرحى”.
واستطرد فضل الله :نرى خطورة ما أقدم عليه العدو والذي لا يمكن أن يبقى بدون رد فاعل من المقاومة في فلسطين ومن مواقع الإسناد لها في لبنان أو العراق أو اليمن ومن الجمهورية الإسلامية في إيران.
لكننا على ثقة بالحكمة التي تحلت بها قيادات المقاومة ومعها القوى المساندة والتي لا تزال تتمسك بها عند أي قرار تتخذه بالرد على العدوان الذي تأخذ فيه بالاعتبار الظروف الموضوعية، فيما هي تحرص على ردع الكيان الصهيوني ومنعه من الاستمرار في مغامراته غير المحسوبة.
وهنا نجدد دعوتنا للعالم الذي يتحدث عن رغبته بعدم توسعة دائرة الحرب، أن الطريق إلى ذلك لن يكون بالدعوة إلى ضبط النفس للمعتدى عليهم ومن يستهدفهم هذا العدو بمجازره وحصاره، بل هو بكف يد هذا الكيان والضغط عليه بما تملكه من وسائل الضغط للانصياع إلى مطلب إنهاء الحرب، وإعطاء الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره، ومن المفارقة هنا أن نشهد في هذا العالم من يدعو إلى عدم توسعة دائرة الحرب وهو في الوقت نفسه يعلن بأنه سيدعم هذا الكيان، وهو ما يشجع هذا الكيان على الاستمرار بحربه واعتداءاته”.
وقال :”يبقى علينا وأمام كل ما يجري ألا نخضع للتهاويل التي يقوم بها العدو وكل الذين يدورون في فلكه، والتي تهدف إلى هزيمتنا نفسيا وروحيا.
إن علينا أن نثق بالله أولا، وبمواقع القوة التي نملكها ومواقع الضعف لدى هذا العدو، ودائما نستحضر ما قاله المسلمون أيام رسول الله، عندما قيل لهم: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
وفيما قاله الله لهم: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، وقال: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ}.
وختم : “إننا لا نريد هنا أن نهون من إمكانات هذا العدو وقدراته، ولكننا في الوقت نفسه لا ينبغي أن نهون من قدراتنا وإمكاناتنا التي استطعنا ونستطيع بها أن نسقط أهداف هذا العدو ونربك مشاريعه إن لم نستطيع تعطيلها ونحن قادرون على ذلك، ونحن على ثقة بوعد الله لنا، عندما يقول: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.