لنعد الى أصل المشكلة المرتبطة بتداعيات سقوط الصاروخ على قرية مجدل شمس في الجولان. أصل المشكلة هو هذه الحرب العبثية التي أقحم “حزب الله” نفسه فيها منذ الثامن من تشرين الأول المنصرم، و أقحم معه منطقة الجنوب وبقية لبنان الذي وصل اليوم إلى حافة حرب قد تنشب بذريعة المجزرة التي حصلت في مجدل شمس. لن نتوقف عند الاتهامات بحق “حزب الله”، فقد تستبطن ما هو أبعد من التحقيق التقني ذي الصدقية الكافية. لكن ما يلفتنا هو نفي “حزب الله” الضعيف، وغير المسند، والذي يتعامل معه حلفاؤه في لبنان من رئيس الحكومة الذي أصدر ليل السبت الماضي في أعقاب المجزرة بيانا باسم الحكومة تجاوز فيه مسألة براءة “حزب الله”، كما أن وزير الخارجية اللبناني واظب على الظهور على وسائل الاعلام العربية والدولية للدفاع عن موقف لبنان الرافض للحرب، من دون أن يتوقف عند براءة “حزب الله”.
ومن الناحية العملية فإن أحدا في لبنان لم يذهب بعيدا في الدفاع عن “حزب الله” بوصفه الطرف الذي أطلق هذا الصاروخ. حتى إن معظم المسؤولين اللبنانيين الذين يتماهون مع الحزب المذكور بالنسبة إلى حرب المشاغلة والإسناد التي يخوضها، تجنبوا الغوص في تفاصيل الحادثة والصاروخ، ومن أطلقه. من هنا ثمة اقتناع لدى العديد من هؤلاء المسؤولين بأن “حزب الله” هو من أطلق الصاروخ الذي أصاب خطأ بلدة مجدل شمس. ولكن الحزب لا يريد أن يعلن مسؤوليته، حتى لو كان ما حدث خطأ، نظرا إلى ضخامة الحدث الذي تسبب بمقتل ١٤ طفلا.
لكن ما هو أهم من ذلك كله، أن حرب المشاغلة والإسناد التي تدور رحاها منذ ما يقرب على عشرة أشهر فتحت باب المجازفة وزادت منسوب المخاطر الناجمة عنها. فكلما مر يوم على حرب استنزاف متبادلة يرتفع خطر ارتكاب خطأ مأسوي كهذا، ومعه ترتفع مخاطر ارتكاب أحد الطرفين، “حزب الله” وإسرائيل خطأ في حسابات المواجهة. بمعنى آخر، أن يقدم أحدهما أو الإثنان معا على تنفيذ هجوم مقصود من دون حساب للمضاعفات والعواقب التي يمكن أن تنجم عنه. كما أنه من المهم النظر إلى عنصر المواجهة التي طال أمدها، إلى حد أنها في نهاية الأمر ستدفع الطرف الذي يريد إنهاءها، أي إسرائيل، إلى التفكير مليا في الخطر الذي يمثله “حزب الله” ليس أثناء حرب غزة، بل بعد أن تضع الحرب أوزارها. ومن هنا خشية مراقبين متابعين ان تتوقف حرب غزة وتستمر الحرب على الجبهة اللبنانية لأمد أطول يصب في مصلحة الإسرائيليين الذين يحضرون ربما لما هو أخطر من الحرب المنخفضة الوتيرة كما هو حالها اليوم.
إن الضربة الإسرائيلية المنتظرة هي نتاج الحرب العبثية التي يخوضها “حزب الله”. ولا يتحمل الحزب المذكور وحده مسؤوليتها، بل يتحملها معه كل المسؤولين الذين، لأسباب محلية ضيقة، يتماهون مع حال هي نقيض فكرة الدولة والمؤسسات، وبالأخص انها السبب الذي بدأ يفتت لبنان في النفوس، وسيفتته عاجلا ام آجلا على الأرض ثم في النصوص.
لذلك على الذين يخيرون اللبنانيين بين الاستسلام او الحرب الاهلية مثل وزير الخارجية، ان يدركوا انهم يؤسسون لطلاق وطني كبير آت، او لحرب أهلية مهولة لن يبقى فيها القوي اليوم قويا الى الابد.
لقد حان الوقت لإنهاء هذه الحرب العبثية، فقد اصابت وحدة البلد بأعطاب اخطر من الخسائر التي نزلت بالأرواح والأملاك، و اكبر من خسائر إسرائيل التي يتغنون بها صبحا ومساء.
المصدر : النهار