كان كافياً الاستماع إلى التصفيق الذي لقيه خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أول من أمس أمام كونغرس منقسم، يفتقر إلى ثلث أعضائه تقريباً، ومقاعد لا يشغلها أصحابها، للتأكد من المشهد المأزوم الذي يطغى على الإطلالة الإسرائيلية كما الأميركية على حد سواء.
فعلى وقع صخب الانتخابات الرئاسية الأميركية والإغراءات الجذابة التي أطلقها نتنياهو من هذا المنبر الحليف لإسرائيل على ضفتيه الجمهورية أو الديموقراطية، بدا واضحاً عدم اليقين لدى نتنياهو نفسه حيال نياته والطريق التي سيسلكها في القابل من الأيام على جبهتي غزة والجنوب، خصوصاً أنه وسّع دائرة استهدافاته إلى ما هو أبعد من الأذرع الإيرانية في المنطقة، إلى إيران نفسها، واضعاً طهران هدفاً ليس لإسرائيل فحسب وإنما لأميركا أيضا.
رسم نتنياهو خطة عمله ضد حركة “حماس” و”حزب الله” ومن ورائهما الراعي الإقليمي إيران، مستدرجاً الأميركيين لوضعهم على الجبهة معه وإلى جانبه، على قاعدة أن الخطر الذي يتهدد إسرائيل يتهدد الولايات المتحدة نفسها. لكن رغم النبرة التهديدية التي اتسم بها طابع الخطاب، لم يقفل الباب على الحل السلمي، أقله بالنسبة إلى الملف اللبناني، رغم تجنبه أي إشارة إلى المفاوضات الجارية من أجل وقف النار في غزة. وقد جاء كلامه على الاستعداد للحل السياسي في لبنان، وإلا الحرب، ليفتح ثغرة في الجدار المأزوم، الأمر الذي يعوّل عليه الداخل اللبناني انطلاقاً من المخاوف من الترددات الخطيرة لأي توسع للحزب قد يلجأ إليه نتنياهو، في ما لو حظي بالدعم العسكري الكبير الذي يطلبه من واشنطن.
لم يتعامل الداخل اللبناني مع الخطاب بكثير من الاهتمام، وإن يكن شكّل حتى الأمس القريب محطة مفصلية للكشف عن النيات الإسرائيلية المستقبلية. والسبب في رأي مصادر سياسية يعود في الدرجة الأولى إلى إدراك لبناني تام أن لا تحريك للملف اللبناني قبل بلورة مصير ملف غزة. من هنا، يبقى الترقب سيد المشهد اللبناني من دون آمال كبيرة تعلق على الحراك الخارجي، ما لم يثمر اتفاقاً على وقف النار في غزة. لا يعني ذلك التقليل من أهمية رصد هذا الحراك على محوريه العربي والدولي، إضافة إلى المبادرة الصينية التي جمعت الفصائل الفلسطينية في بكين، على نحو يعكس الضغوط الدولية الكبيرة التي تمارس من أجل الوصول إلى حل للمسألة الفلسطينية. والحال أن مبادرة بكين الهادفة إلى ترتيب البيت الفلسطيني تسير بالتوازي مع حراك أميركي – إسرائيلي – إماراتي في اتجاه استيلاد قيادة فلسطينية جديدة من خارج دائرة رموز “طوفان الأقصى”.
يستأثر الملف اللبناني بحيز واسع من تلك الضغوط في ظل قرار دولي عموماً وأميركي في شكلٍ خاص يمنع توسع الخرب وتحصين الساحة الداخلية والاستقرار فيها. وهذا قرار يحظى بإجماع أميركي، بقطع النظر عن هوية الرئيس أو الرئيسة المقبلة للولايات المتحدة. ولكن هل يكفي هذا الضغط وهذا الحراك من أجل إحداث خرق على الجبهة الجنوبية أو على صعيد الاستحقاق الرئاسي؟
وكما يرتبط الملف الجنوبي في شكل لصيق بمصير غزة، كذلك هي الحال بالنسبة إلى الاستحقاق الرئاسي، على ما تقول المصادر، مؤكدة صعوبة الفصل بين الاثنين، وإن كان الضغط السياسي يدفع في اتجاه فصل الرئاسة عن أمن الجنوب، على خلفية ضرورة وجود رئيس وحكومة فاعلة للجلوس إلى طاولة المفاوضات. لكن هذا الفصل متعذر في رأي المصادر في الوقت الراهن، بعدما بات ثابتاً أن التسوية اللبنانية ستكون ضمن رزمة واحدة تشمل الرئاسة والحكومة وملف الجنوب.
المصدر : النهار