لبنان كغيره من الدول، متموضع في منصّة الرصد والترقّب لتطورات الانتخابات الرئاسية الاميركية، بفارق أنّه مصاب بالتهاب حاد في خاصرته الجنوبية. واكثر ما يُقلق مستوياته الرسمية والسياسية، التي راهنت على نجاح الوساطات في بلوغ صفقة تنهي الحرب في غزة وتتمدّد تلقائياً الى جبهة لبنان، هو تمدّد الوجع لفترة طويلة، ما يبقي جبهة الجنوب في دائرة التفاعل والاحتمالات الصعبة.
هذا القلق، يعبّر عنه مسؤول كبير بمقاربة شديدة الحذر لفترة ما قبل تسلّم الرئيس الاميركي الجديد، ويقول رداً على سؤال لـ«الجمهورية»: «بمعزل عن التكهّنات والتنجيمات والتقديرات المتضاربة، سواء حول هوية الرئيس الاميركي الجديد او السياسة التي سينتهجها، وايضاً حول القضايا والملفات الدولية والاقليمية، فما يعنينا في لبنان ليس أن نسأل ماذا بعد، مع سياسة اميركية خارجية اعتقد انّها ثابتة أياً كان الرئيس الاميركي الجمهوري او الديموقراطي، بل ينبغي علينا أن نسأل ماذا قبل؟».
ويوضح المسؤول الكبير قائلاً: «ما أخشى منه هو أن تتحول الأشهر المتبقية من انتهاء ولاية الرئيس جو بايدن، الى فترة ميتة. فمن جهة، ليس بعيداً أن يخفت فيها زخم الجهود التي تقودها ادارة بايدن، والرامية الى بلورة صفقة توقف الحرب في قطاع غزة، امام زخم المنافسة واحتدامها بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي. ومن جهة ثانية ليس بعيداً ايضاً، أن يدفع اليها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو باستقوائه على ضعف ادارة بايدن وعدم تسليفها انجازاً قد تحاول الاستثمار عليه في مواجهة دونالد ترامب. وكلا الأمرين نتيجتهما واحدة، أي إطالة أمد هذه الحرب، وتمديد المواجهات الدائرة على جبهة الجنوب اشهراً اضافية، وابقاؤها مفتوحة على شتى الاحتمالات».
الصفقة احتمال قائم
وإذا كانت المماطلة التي يفتعلها نتنياهو بالشروط والعوائق التي يلقيها في طريق المفاوضات، قد ضعّفت احتمال بلوغ صفقة تنهي الحرب، الّا انّ الإعلام الاسرائيلي ركّز في الساعات الاخيرة على أنّ احتمال بلوغ صفقة تبادل مع حركة «حماس» في المدى المنظور، ووزير الخارجية الاسرائيلية تحدث عن اسبوعين حاسمين. ومن هنا جاء قرار نتنياهو بإيفاد التفاوض الى الدوحة الخميس المقبل، بعد اجتماع مع بعض وزرائه استمر 6 ساعات، وناقش فيه تداعيات إبرام الصفقة على ما يحدق في الشمال ومع الحوثيين.
وفيما شكّكت اصوات اعلامية ومعارضة في اسرائيل بقرار نتنياهو إرسال وفد التفاوض الى الدوحة وأدرجته في سياق محاولة استعراضية قبل زيارته المقرّرة الى واشنطن، تظهره في موقع الراغب في بلوغ تسوية سبق أن فخخها بشروط تعقيدية لها، أبلغ خبير في الشؤون الإسرائيلية الى «الجمهورية» قوله، انّه «حتى ولو كان نتنياهو راغباً في المماطلة وإعاقة الوصول الى تسوية، مراهناً على شحنات قوة يستمدها من وصول دونالد ترامب الى البيت الابيض، الّا انّه لا يستطيع ان يتجاوز حقيقة أنّ وضع حكومته بات اكثر اهتزازاً من ذي قبل، كما انّ الداخل الاسرائيلي لا يحتمل اشهراً اضافية من الحرب بلا اي طائل، مع بروز عوامل قلق جدّية في المجتمع الاسرائيلي تجلّت أخطرها في استهداف الحوثيين لتل ابيب والصدمة الكبرى التي احدثها. فضلاً عن أنّ ضغط اهالي الاسرى يتنامى بشكل كبير ضدّ حكومة نتنياهو لبلوغ صفقة تبادل تحرّر ما تبقّى من الاسرى من قبضة «حماس». يضاف الى ذلك العبء الكبير المالي والمجتمعي الناشئ عن استمرار تهجير سكان مستوطنات الشمال.
وبحسب الخبير عينه، فإنّ الحرب، باعتراف الاسرائيليين انفسهم، لن تؤدي الى تحرير الاسرى الاسرائيليين، ولا الى تهدئة جبهة جنوب لبنان وتأثيراتها المباشرة، خصوصاً على سكان مستوطنات الشمال. الأمر الذي يبقي الحاجة ملحّة جداً الى حل سياسي في المدى القريب، وربما القريب جداً، يبدأ من غزة ويصل الى لبنان ويمنع توسع نطاق الحرب. وهو الامر الذي اعاد وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن التأكيد عليه خلال الاسبوع الماضي.
واشار الخبير عينه، الى انّ هذه الاجواء تعزز الاعتقاد بأنّ التسوية تقترب من أن تنضج، لكن تبقى الخشية قائمة من استمرار نتنياهو في سياسة المماطلة والتعطيل الى ما بعد خروج بايدن من البيت الابيض، مراهناً على ظروف افضل قد تتوفر له مع رئاسة دونالد ترامب، تحسّن من شروطه وتطلق يده لزيادة الضغط ليس على حركة «حماس» فحسب، بل على سائر جبهات المواجهة، وخصوصاً جبهة المواجهة مع «حزب الله» في جنوب لبنان.
إلى ما بعد تشرين
رئاسياً، جمود تام، ولا توجد اي مؤشرات لتحريك الملف الرئاسي في المدى المنظور. بل انّ خطوط التواصل الداخلي حيال هذا الملف مقطوعة بالكامل، ما خلا محاولات محدودة لإعادة وضع القطار الرئاسي على سكة التوافق.
وحول الملف ذاته، قالت مصادر رسمية رفيعة لـ«الجمهورية»: انّ الملف الرئاسي مؤجّل الى حين تقرّر الولايات المتحدة تزخيم دورها لحسم هذا الامر.
ولفتت المصادر الى انّ واشنطن معنية في هذه الفترة بملف الصفقة في غزة ومنع تطور المواجهات الدائرة في المنطقة الجنوبية الى حرب واسعة. والمعلوم تاريخياً انّ الملف الرئاسي في لبنان يندرج «تقليدياً» في صلب الاهتمامات الاميركية. وواشنطن لم تقل كلمتها الجدّية او النهائية بعد، ويتأكّد ذلك من أنّ مقاربتهم لهذا الملف على مدى فترة الفراغ الرئاسي، كانت في احسن احوالها شكلية، ودلّت بما لا يرقى اليه الشك على انّ واشنطن لا تضع ثقلها لحسم الملف الرئاسي، ويبدو انّها ليست في هذا الوارد أقلّه خلال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس بايدن. وثمة كلام اميركي صريح ومباشر بهذا المعنى، ابلغه مسؤولون في الادارة الاميركية الى جهات لبنانية سياسية وديبلوماسية.