بعد اكثر من سنة وتسعة اشهر من شغور الرئاسة، لا يزال رئيس مجلس النواب نبيه بري يتحصن بتمسكه بترؤس طاولة حوار من اجل دعوة مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية. لم يبدل موقفه فيما ان اخفاق اسلوب ما ينبغي ان يدفع الى البحث عن بدائل اذا كانت المشكلة فعلا هي شكل الحوار. يستفيد بري من تفهم خارجي مبني على واقع ان اي عاقل لا يمكن ان يرفض فكرة الحوار في ذاتها من اجل حل الاشكالات او المشاكل او التوصل الى تفاهمات داخلية لا سيما اذا كانت بمستوى خطورة التحديات التي يواجهها لبنان. وورقة الحوار يقر كثر انها انطلقت قوية في عنوانها ويصعب دحضها كما انها محرجة للاخرين من حيث المبدأ. ويحظى بري في الوقت نفسه في هذا الاطار بدعم حليفه في الثنائي الشيعي على رغم ان ما يريده هو من الحوار قد لا يلتقي مع ما يريده “حزب الله” منه اي احتمال الذهاب الى مرشح ثالث، كما يشاع، ولا من يضمن ذلك كما لا ضمانات بنتيجة للحوار. ويحظى في الوقت نفسه بدعم حليفه “التاريخي” رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي سابقا وليد جنبلاط وان كان تموضع كتلة اللقاء الديموقراطي في الاستحقاق الرئاسي مختلفا. وهو حظي ايضا في الاونة الاخيرة بدعم رئيس التيار العوني جبران باسيل لا سيما في ظل مناقضة الاخير كل ادبيات التيار عن صلاحيات رئيس الجمهورية والمنطق المعتمد من مؤسس التيار الرئيس ميشال عون الذي اعتبر في الحديث الصحافي الاخير الذي ادلى به قبل مغادرته قصر بعبدا ان “ليس للرئيس بري حق بالدعوة الى الحوار بل له حق اطلاق التشاور بين الفئات ذلك انه لا يختصر موقع رئيس الجمهورية معتبرا ان الحوار من صلاحية رئيس الجمهورية اما التشاور فهو حق للجميع”. وليس ان كلام عون مهم فيما لم يعد حاضرا على المستوى السياسي وقد ارهق اللبنانيين بحروبه السياسية والدستورية، ولكن يذكره البعض على سبيل التناقض لدى التيار العوني ومصالح باسيل المباشرة والمستقبلية لحجز مكان له، والتي يقيسها البعض على مستوى تظهير التناقض المسيحي لجهة المرونة التي يبديها ايا تكن الاسباب على عكس كل من حزبي “الكتائب اللبنانية” و”القوات اللبنانية”.
ومع ان غالبية القوى المسيحية وحتى قوى غير مسيحية، تعتبر بان الدعوة الى الحوار مخالفة للدستور، وما تقوله المعارضة في هذا الاطار يكتسب صدقية كبيرة، فان انتقالها الى القبول بالتشاور لم يلاقه بري في منتصف الطريق لبناء جسور تفاهم ما، ليس قولا على طريقة قوله “بالحوار او التشاور” كما لو انهما مرادفان، وهما ليس الامر نفسه، بل عملانيا. وبعض القوى السياسية المراقبة التي لا يمكن احتسابها على هذا الفريق او ذاك تعتبر انه كان في امكان بري لعب دور مرجعية وطنية ترضي جميع اللبنانيين او تقف على مسافة واحدة منهم لو انه سعى الى ملاقاة المعارضة في منتصف الطريق ولم يكن طرفا، فيما لو ان هناك قرارا فعليا بانتخاب رئيس للجمهورية والافراج عن استرهان الموقع. لا ثقة لدى هذه القوى بان ما يمكن ان يأخذه بري من المعارضة كتنازل على هذا المستوى، يمكن ان يصب في خانة مصلحة الوطن وتاليا انتخاب رئيس للجمهورية بمقدار ما يمكن ان يصب في خانة المصلحة الطائفية ان لم تكن في مصلحة “حزب الله” تحديدا والذي تعتبر قوى المعارضة انه الممسك الفعلي والحقيقي بقرار الطائفة الشيعية كما بقرار الدولة. كما تعتبر، وعلى غير ما يذهب اليه بعض السفراء الغربيين من اقتناع او اعتقاد او ربما بناء على استشارة الايرانيين في وقت سابق، من ان الحزب يملك هامشا كبيرا لاي قرار يمكن ان يتخذه في الداخل اللبناني، ان قرار الحزب مرتبط بالاعتبارات الايرانية واولوياتها قبل اي امر اخر. وهذه نقطة خلاف او تباين جدية بين القوى السياسية وعدد من رؤساء بعثات دول مؤثرة في لبنان لا يزالون يعتبرون ان التوجه الى بري او اعطائه ورقة ما كالموافقة على ترؤسه الحوار من شأنه ان يقوي موقعه ازاء حليفه الشيعي ويجعله في موقع متكافىء سياسيا على الاقل معه. وهو امر تعتبر قوى في المعارضة ان القطار غادر هذه المحطة منذ زمن ليس ببعيد وان رئيس مجلس النواب الغى التمايز بينه وبين “حزب الله” لا سيما في موضوع انتخاب رئيس للجمهورية وان هذا المنطق الذي كان قائما او معمولا به قبل اعوام طويلة، لجهة تعزيز موقع بري او اعتداله في مقابل موقف الحزب، لم يعد صالحا راهنا، اقله وفق اقتناع هذه القوى السياسية.