تابع اللبنانيون وقائع الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأسبوع الفائت في أكثر من دولة، من إيران إلى فرنسا وبريطانيا، وصولا إلى المحطة الأميركية في تشرين الثاني المقبل، على أهميتها، فيما يُحرمون انتخاب رئيس لبلدهم المفتوحة مؤسساته على سيل من الأزمات والتعقيدات بين أهله الذين باتوا يترقبون انتخابات الدول ويسقطون ظروفها على واقعهم الميؤوس منه، آملين تلقي ارتداداتها الإيجابية.
ولا يخفي “حزب الله” ارتياحه إلى المسار العام للانتخابات الإيرانية، ولو كانت حصيلتها من نصيب الإصلاحيين. ويطمئن الحزب وجمهوره إلى أن المسار العام والكلمة الفاصلة في طهران تبقى لخامنئي وتمسك القواعد بولاية الفقية من دون الدخول في تزكية هذا المرشح أو ذاك، ما دامت الانتخابات تخص الإيرانيين أولا، الذين يطغى الملف الاقتصادي والمعيشي على يومياتهم. وثمة ثوابت استراتيجية عند مختلف التوجهات في طهران من خلال رؤية المرشد التي تقوم على دعم “حركات المقاومة” في الأراضي الفلسطينية والمنطقة. وسبق لرؤساء وحكومات من الإصلاحيين أن تصدروا المشهد في بلدهم ولم يحيدوا عن هذه القواعد المرسومة في التعامل مع الخارج، ولو اختلفوا في الداخل مع المحافظين. ولم يكن الرؤساء السابقون هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي وحسن روحاني على خلاف مع المرشد في كيفية التعامل مع ” حزب الله” الذي هنأ خامنئي وبزشكيان والشعب الإيراني على نجاحهم في إجراء انتخابات في أقل من شهر على وفاة رئيس البلاد.
ولم يتأخر بري بدوره بعد صدور النتائج الرسمية في إرسال برقيتي تهنئة لخامنئي (الذي خصه بجلسة خاصة على هامش تقديمه التعازي بوفاة الرئيس إبرهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين عبد اللهيان) وبزشكيان، واصفا إيران بـ”العظيمة في ثورتها وممارسة الديموقراطية”.
ويتوقف رئيس المجلس عند فوز بزشكيان رابطا ارتداداته ليس بالداخل الإيراني فحسب بل بالانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة وإمكانية استفادة الرئيس جو بادين منها، فيما يتقدم منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب بالنقاط بعد مناظرتهما الأخيرة. ولم يظهر الرئيس الحالي موفقا حتى في مقابلته الأخيرة، ويستغل الحزب الجمهوري كل هذه الأخطاء والهفوات عند خصمه.
يعتقد بري في معرض تحليله حصيلة الانتخابات الإيرانية وما حملته من رسائل إلى بلدان الإقليم والغرب، وخصوصا أميركا، أن في إمكان بايدن الاستفادة من هذه النتيجة إذا أحسن استغلالها وتمكن من وضعها مادة رئيسية في برنامجه الانتخابي وحملته الرئاسية متى وصل إلى خلاصات إيجابية في الاتفاق النووي بين إدارته في البيت الأبيض وطهران، شرط أن يستفيد بايدن من فرصة وجود بزشكيان، وإلا سيفوّت عليه مثل هذه الفرصة التي يصفها بري بـ”اللحظة السانحة” التي لا تتكرر دائما. وإذا جرى التعامل معها بإيجابية من طهران وواشنطن، فيمكن أن تصب حصيلتها في مصلحة الجميع وإعادة مسار التاريخ من خلال اللجوء إلى الحلول الديبلوماسية بدل كل هذا الاستنفار بين الطرفين. توازيا، لا يبدو مسار الأحداث في المنطقة سليما، ولا سيما أن الامور تتدحرج نحو مزيد من الأزمات. والمفارقة أمس أن ترامب نفسه غازل إيران في تصريح كان له وقع المفاجأة عند قوله إنه ليس مع تغيير النظام بل يرفض امتلاكه سلاحا نوويا.
ويرى بري أنه يمكن أن يستفيد كل من الديموقراطيين والجمهوريين من هذا المعطى الإيراني الجديد، وفي إمكان أي من الحزبين الاستفادة من وصول بزشكيان إلى الرئاسة. وسبق أن التقاه بري مرتين في طهران خلال توليه وزارة الصحة، ويذكره جيدا ويعرف منهج تفكيره بمقاربة جراح قلب ماهر.
ويشيد بري أيضا في معرض كلامه بـ”الديموقراطية التي مارسها الإيرانيون تحت مظلة السيد خامنئي”. ويلاحظ “أن ثمة قواسم مشتركة في الانتخابات الرئاسية في أميركا وإيران على مستوى الدور والمهمات التي يؤديها كل من الكونغرس ومجلس الشورى في البلدين”.
بين سعيد جليلي ومسعود بزشكيان، اختار الإيرانيون الثاني، في وقت يطول فيه انتظار اللبنانيين وجه السعد الرئاسي وإطلالته من قصر بعبدا التي يؤخر ولادتها أصحاب الشأن في الداخل قبل الخارج.