مَن يعوّل على لقاء هوكشتاين-لودريان في باريس رئاسياً كمن يعوّل على تحوّل الوهم إلى حقيقة. فالرجلان منشغلان بالتهدئة على جبهة حزب الله-إسرائيل وكيفية احتواء الموقف وإقناع بنيامين نتنياهو ببعض التعقّل والابتعاد عن التهوّر الذي يدفع إليه عدد من أركان حكومته الأكثر تطرفاً وغوغائية منذ قيام الكيان الصهيوني ويتقدمهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
زيارة هوكشتاين الأخيرة إلى تل أبيب وبيروت كان مقدراً لها أن تكون مكوكية تنقل الأفكار والشروط بين نتنياهو وأركان حربه من جهة، وحزب الله عبر الرئيس نبيه بري من جهة ثانية، لكن ذلك لم يحصل بسبب تصلّب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
ما الذي تغير اليوم ليعاود تحركه من باريس؟
المعطيات تشير إلى ليونة مستجدة في الموقف الإسرائيلي ناجمة عن واقعية عسكرية في الميدان وعن تقدّم ما في المفاوضات الأميركية-الإيرانية، وسط تأكيدات بأن أحداً من الأطراف الأساسية لا يريد توسعة الحرب، وعليه فإن لقاء هوكشتاين-لودريان عمل على كيفية انسحاب المرحلة الثالثة من الحرب على غزة، هدوءاً على الجبهة اللبنانية-الإسرائيلية، وعلى قدرة الموفد الرئاسي الفرنسي على التواصل مع حزب الله في محاولة لتدوير الزوايا انطلاقاً من مصالح نفطية-غازية في بحر الجنوب.
وعلى هذه المعطيات، بات مؤكداً أن الاستحقاق الرئاسي يرد بين الرجلين من باب التذكير لا أكثر، فلا الداخل جاهز لإتمام الانتخاب، ولا الخارج لديه الوقت للبحث فيه، لِمَ؟ لأن عدداً من دول الخماسية منشغل بهمومه الخاصة من الرئيس الأميركي جو بايدن والحزب الديمقراطي الحاكم الذي وجد نفسه في ورطة كبرى إثر المناظرة الرئاسية الأولى مع الخصم الجمهوري اللدود دونالد ترامب، إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي جاءت حسابات الجولة الاولى من الانتخابات البرلمانية لا تتطابق مع حسابات أحلامه بتعويض الخسارة على مستوى البرلمان الاوروبي فكان قرار حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة خطوة ناقصة، كانت أكثر مرارة وأشد إيلاماً من تلك الأوروبية، فحجّمت حزبه ووضعته في موقف صعب للغاية، اعتبرت من خلاله زعيمة الجبهة الوطنية أو اليمين المتطرف مارين لوبان أن ماكرون قد انتهى سياسياً.
الانشغال الأميركي والفرنسي بهموم انتخابية داخلية دقيقة ومحفوفة بمخاطر الخسارة، يأتي معطوفاً على المواقف المتباعدة لأعضاء الخماسية العرب من مصر والسعودية وقطر حيال الملف الرئاسي، لا سيما الترشيحات المتقابلة وعدم الإتفاق على مرشح واحد تسهل معه عملية إنهاء الفراغ الرئاسي.
هذا على المستوى الخارجي، أما داخلياً فحدّث ولا حرج عن أطراف متناقضة متخاصمة على أبسط الأمور قبل أكبرها. الثنائي الشيعي يربط الاستحقاق بنتائج الحرب على غزة، ومن تحت الطاولة بنتائج المفاوضات الأميركية-الإيرانية وتقدّمها، علّه يقطف اللحظة ويفرض مرشّحه زعيم تيار المردة سليمان فرنجيه. أما الثنائي المسيحي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، فعلى الرغم من استشعاره خطورة المرحلة على المسيحيين وتضاؤل دورهم على المستوى الوطني، إلّا أنه ينشغل بصياغة بيانات الردود المتبادلة بينهما والتي لا ترقى إلى مستوى صعوبة الوضع وتهديده بانكفاء المسيحيين عن ممارسة دورهم السياسي الطليعي واندثار هذا الدور لمرة واحدة وأخيرة لا تكون بعدها قيامة.
ومستنداً إلى هذا الانقسام المسيحي الحاد وغياب القيادة السنية الحقيقية عن الساحة اللبنانية، يعمل الثنائي الشيعي على فرض إيقاعه رئاسياً من خلال التمسك بمرشحه وبالحوار شرطاً لفتح أبواب المجلس النيابي لانتخاب الرئيس، وإدارياً عبر نقل غالبية المهام الكبرى إلى موظفين شيعة في ظل غياب التعيينات. وفي الحصيلة التعويل على لقاء هوكشتاين-لودريان رئاسياً وهم، والأهم من يوقف بيانات التيار- القوات ويجمعهما على كلمة سواء رئاسية تنقذ الصيغة والطائف والحضور المسيحي معاً؟
المصدر : ليبانون فايلز