شعبية ترامب تعكس تراجع القدرة الأميركية على رسم المشهد العالمي

رأى الكاتبان الأميركيان أندرو بايرز وراندال شويلر أن إدارة أميركية جديدة بقيادة الرئيس السابق دونالد ترامب قد تتبع سياسة خارجية أميركية تُعدّ الأكثر انضباطاً في التاريخ المعاصر، معتبرين أن شعبية ترامب تعكس تراجع القدرة الأميركية على رسم المشهد العالمي.

وتحدث الكاتبان في مقالة نشرتها مجلة “فورين أفيرز” الأميركية عن نقاش محتدم داخل الحزب الجمهوري حول العلاقات الدولية، مشيرين إلى وجود تيار تقليدي داخل الحزب مكون من المحافظين الجدد وغيرهم الذين يريدون أن تمارس الولايات المتحدة سلطتها حول العالم والاستفادة من قدراتها العسكرية من أجل تحقيق أهداف عدة.

وقالا “إن هؤلاء يدعمون المساعدات الأميركية الكبيرة والمستمرة لأوكرانيا في إطار معاداة روسيا، وإنهم أيدوا بالمطلق ما تقوله إدارة بايدن عن أن الدعم العسكري لأوكرانيا هو في سياق التنافس ما بين الديمقراطية وحكم الاستبداد”.

أما ترامب وحلفاؤه فلفت الكاتبان إلى أنّهم لا يدعمون تقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا ولا ينظرون إلى القضايا الجيوسياسية على أنها تنافس أيديولوجي. وأن هؤلاء وخلافًا للمحافظين الجدد يفضلون أن يدفع حلفاء الولايات المتحدة تكاليف أكبر على أمنهم.

وبينما قال الكاتبان “إن التيار التقليدي في الحزب الجمهوري لا يزال يتمتع بقوة لا يستهان بها، شددا على أن معسكر ترامب هو من ينتصر”. كما أردفا أن “ذلك يتجلى بأوضح صوره في الانتخابات التمهيدية، حيث يواصل ترامب والمرشحون الذين يؤيدهم بتحقيق الانتصارات”. إلا أنهما تابعا أن “الاستطلاعات أيضًا تفيد بأن المقاربة “الواقعية الترامبية” تستقطب الناخبين المحافظين”. وأشارا إلى استطلاع أجراه مركز شيكاغو للشؤون العالمية بيّن أن 53% من الجمهوريين اعتبروا أنه يجدر بالولايات المتحدة عدم التدخل في شؤون العالم، وأن 55% اعتبروا أنّ أثمان مواصلة الدور الأميركي في العالم تفوق مكاسب هذا الدور.

هذا، وقال الكاتبان “إن أجندة ترامب القائمة على شعار “أميركا أولًا” عبارة عن برنامج واقعي يسعى للعمل بناءً على مصالح الأمن القومي الأميركي بدلًا من مصالح أطراف أخرى”. كذلك أضافا أن “هذه الأجندة تستند إلى فرضية لا مفرّ منها وهي أن الولايات المتحدة لم تعد القوّة التي كانت تضغط على نفسها بشكل يفوق قدراتها”. وتحدثا عن ضرورة أن “تميّز الولايات المتحدة بين المصالح القومية والرغبات، وأن تعطي المزيد من المسؤولية للحلفاء الأثرياء”، مشددين على ضرورة أن تكف الولايات المتحدة عن محاولة القيام بكلّ شيء في كلّ مكان.

وأضاف الكاتبان أن “غرائز ترامب الواقعية” جرى إحباطها من قبل مستشاريه الكبار للأمن القومي خلال ولايته السابقة. غير أنهما لم يتجاهلا ميل ترامب نحو ضبط النفس رسم سياسته، حيث تجنب أي تورط عسكري جديد وبدأ عملية الانسحاب الأميركي من أفغانستان”، وأشارا إلى أنه “انخرط مع دول خصمة مثل الصين وكوريا الشمالية وروسيا بحيث قلل ذلك من احتمال اندلاع النزاعات”.

وتابع الكاتبان أن “ترامب سيستطيع التعبير عن “غرائزه الواقعية” بشكل أكبر في ولاية ثانية، حيث رجحا بأن ينسحب من بعض الالتزامات الأميركية في الشرق الأوسط”، كما توقعا أن يطالب الحلفاء الأثرياء في آسيا وأوروبا بدفع المزيد ثمناً لأمنهم، وأن يركز بشكل أساس على الصين، وعلى كيفية التفوق على الأخيرة وفي الوقت نفسه تجنب النزاع العسكري وحرب باردة جديدة”.

كذلك قال الكاتبان “إن ترامب وحلفاءه تحدثوا عن ضرورة تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الخارجية، حيث يرون أن المزيد من الاعتماد الذاتي سيؤدي إلى زيادة عدد الوظائف وتقليل تكاليف الطاقة لدى المستهلكين الأميركيين. وتوقعا أن ينفذ ترامب هذه السياسة في حال أصبح رئيسًا، وذلك من خلال إلغاء العديد من القوانين في قطاع الطاقة، بحيث سيصبح من الأسهل على منتجي النفط والغاز في الداخل القيام بأعمال الحفر. ونبها إلى أن مثل هذه السياسة ستجعل منطقة الخليج أقل أهمية بالنسبة لواشنطن، وذلك بعد ما اضطرّت الإدارات الأميركية المتعاقبة لتخصيص الكثير من الموارد والاهتمام للشرق الأوسط، بحيث كان لضمان استمرار تدفق النفط دور أساس في هذا الإطار. كما أضافا أن “الولايات المتحدة في هذه الحالة لن تضطر لأن تبالي كثيرًا بما يحدث من “مشاحنات إيرانية سعودية” أو أن تحافظ على وجود أعداد كبيرة نسبيًا من القوات الأميركية في الخليج”.

ورأى الكاتبان أن ترامب لديه سجل جيد بتجنب استخدام القوّة العسكرية الأميركية، وأن سبب ذلك ليس لأنه أكثر إنسانية من أسلافه بل لأنه ينظر إلى السياسات العالمية في إطار جيواقتصادي وليس جيواستراتيجي، وبالتالي يحاول خوض النزاعات عبر الطرق الاقتصادية وليس العسكرية.

وحول الصين تحديدًا قال الكاتبان “إن هناك تنافسًا بين بكين وواشنطن على الزعامة العالمية الاقتصادية والسياسية، وإن هناك الكثير من الخلافات”، لكنهما شددا على أن كلّ ذلك يجب ألَّا يؤدي إلى النزاع. كما قالا “إن الملف الخلافي العسكري الأساس والذي هو موضوع تايوان، لا يتطلب تدخلًا أميركيًا”. وأردفا أن “على الولايات المتحدة أن تسلح تايوان كي تستطيع الأخيرة الردع، على أمل أن تستطيع هزيمة عملية اجتياح صينية”، غير أنهما شددا على أن تايوان ليست بلدًا حليفًا للولايات المتحدة، وبالتالي يجب ألّا تخاطر واشنطن بحرب مع الصين من أجل تايوان.

كذلك أضاف الكاتبان أنه “وخلافًا للتوازن التقليدي بحيث يجري تراكم القوّة عبر السلاح والحلفاء في مواجهة القوّة العسكرية لدى المنافس، فإن إستراتيجية ترامب تسعى إلى منع صعود منافس نظير وليس احتوائه”. وتحدثا عن” رغبة أميركية وأوروبية خلال الأعوام القادمة بضمان ألا تتشارك شركاتهم تكنولوجيات معينة مع بكين والاعتماد على مزودين غير صينيين في قطاعات أساسية، مثل تكنولوجيا الاتّصالات والبنية التحتية”.

كما تحدث الكاتبان عن ضرورة أن تكثف الولايات المتحدة جهودها لدفع الشركاء العرب و”الإسرائيليين” للعمل المشترك واحتواء إيران، وذلك كي تستطيع واشنطن سحب معظم قواتها من الشرق الأوسط. وقالا “إنه وبعد قرابة ثمانين عامًا من الزعامة الأميركية، دخل العالم مرحلة انتقالية من نظام الهيمنة إلى توازن للقوة من جديد”. كذلك توقعا أن” يشهد هذا النظام تنافرًا وتنافسًا بين القوى الكبرى، كما يحدث في كلّ مرحلة يسود فيها توازن القوّة”.

وخلص الكاتبان إلى أن “الولايات المتحدة أصبحت أقل قدرة على الوفاء بالتزاماتها الخارجية وأقل اهتمامًا بذلك أيضًا، وأن ذلك يفسر صعود ترامب واستقطابه لمناصريه الذين ينظرون بازدراء إلى ما يعتبرونه طبقة حاكمة فاسدة”.

 

المصدر : العهد الاخباري