قد يكون الشيء الوحيد الذي يجمع شعب هذا البلد الصغير لبنان، وعلى الرغم من انقساماته الكثيرة، هو سرعة التأقلم. قد يختلف اثنان على أنّ هذه السمة فيها ما فيها من السلبيّة والإيجابية، إلّا أنها حتماً سمة تحمل في طياتها ما مرّ على اللبنانيين من كافّة أطيافهم طيلة السنوات الماضية من أزمات عايشوها وتعايشوا معها وحفظوها عن ظهر قلب.
صور متباينة يضجّ بها المشهد اللبناني، أصوات قصف، مسيّرات، تهجير، استهدافات، عائلات تكبّدت خسائر بشريّة وماديّة. وفي المقلب الآخر، يعيش بعض اللبنانيين بمعزل كل ذلك على قاعدة أنّ طاقة اللبناني على احتمال المزيد أصبحت شبه معدومة أو “كل يوم بيومه”. حركة السياحة “ولعانة” والحجوزات “مفوّلة” وفي مجموعات الأخبار على “واتساب” قد تبدأ الحرب في أي لحظة.
مما لا شكّ فيه أنّ الأدرينالين مرتفع في الأيام الأخيرة. جهود ديبلوماسية لاحتواء التصعيد، تحذيرات من تفلّت الأمور، زيارات ولقاءات محورها أن الأشهر المقبلة “لا تبشّر بالخير” خصوصاً بعد التقرير الأخير الذي نشرته صحيفة “تلغراف” البريطانية والذي اعتبره البعض “مؤامرة على الاقتصاد والسياحة” لتشويه صورة لبنان، وضوء أخضر لتوجيه ضربة إسرائيليّة لمطار بيروت.
تقول ح.ح. من سكان منطقة الضاحية الجنوبية “شو بدّو يصير بعد أسوأ من اللي نحنا فيه”. تروي لـ”النهار” عن عدد المرّات التي قصدت فيها السوبر ماركت للتموين تحضيراً للحرب بعد كل استهداف أو عمليّة ينفذّها الحزب، وتقول “بيخلصوا الأغراض وما بصير شي وبعدنا على هالحالة من شهور لليوم”.
لا تخفي ح.ح خوفها من الآتي، وتشير إلى أنّ لبنان مرّ بظروف أسوأ بكثير “وبفضل الله تمكّن من تجاوزها على الرغم من فداحة الخسائر أحياناً”.
مع تعايش المواطنين بمرارة مع كل ذلك، هل أعّد لبنان، البلد المنهار على الصعد كافّة، من الاقتصاد الى الصحّة فالبنى التحتيّة وغيرها، خطّة للتعامل مع احتمالات الحرب؟
وحيدة غلاييني، المسؤولة عن غرفة إدارة الطوارئ في وزارة الصحة، أكّدت لـ”النهار” أنّنا “لا نستطيع الجزم بأن لبنان على أتمّ الجهوزية في حال اندلاع الحرب، فالكلمة تلك كبيرة قياساً بما يمرّ به لبنان من أوضاع صعبة. ما أستطيع قوله إنّنا كقطاع صحّي على جهوزيّة جيدة جدّاً.
تشكيل غرفة إدارة طوارئ بدأ بعد اندلاع حرب غزة، تقول غلاييني. استُدعينا من قبل وزارة الصحّة لوضع خطّة في حال توسّع العدوان وجزّأّنا المناطق في لبنان إلى 3. ندرك أنّ البلد كلّه بخطر، ولكن ما مررنا به من حروب سيّما حرب تموز يؤكّد أنّ مناطق #جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت وكذلك البقاع عرضةً أكثر لهذا الخطر. أمّا المناطق المحيطة فهي أقل خطورة. تشرح غلاييني لـ”النهار” نقاط الخطة الأولية التي تمّ إعدادها، وتقول: “صنّفنا الجنوب والضاحية والبقاع على أنها مناطق حمراء عالية الخطورة والمناطق المحيطة كبعبدا مثلاً مناطق صفراء، أمّا كسروان وشمال لبنان صُنفت على أنّها مناطق خضراء لعدم تعرضها للقصف سابقاً. ولكّن إذا عدنا إلى الوراء، جميعنا يذكر أنّ أوصال لبنان تقطّعت بسبب استهداف إسرائيل للجسور.
تضيف المسؤولة عن غرفة إدارة الطوارئ في وزارة الصحة أنّ فريقاً مكوّنا من أطبّاء وممرّضات تم إعداده للكشف على جهوزيّة المستشفيات في المناطق الحمراء العالية الخطورة وإجراء تقييم للإمكانيات المتاحة. وبالتوازي تابع فريق من وزارة الصحّة مع المستشفيات في المناطق الأقل خطورة ووجدنا نقصاً هائلاً بعدد الممرضات والأطباء والكوادر وهذا يعود طبعاً للهجرة بسبب الوضع الاقتصادي وكذلك نقصاً في المستلزمات الطبيّة كالشاش والأدوية وغيرها.
وعن تفاصيل الخطّة، توضح غلاييني أنّ “البداية كانت من المناطق الحمراء. وبنتيجة النقص قمنا بتدريب العناصر الموجودة حالياً وخصوصاً في قسم الجراحة والطوارئ والعناية الفائقة. التدريب كان ليوم واحد على التعامل مع إصابات الحروب والحالات الطارئة التي قد تصل إلى المستشفيات. درّبنا 125 مستشفى والمتدربون هم أطباء وممرّضين بلغ عددهم على مستوى لبنان حوالي 3092. وبعدها توسّع التدريب حيث ساعدنا المستشفيات على مدار 3 أيام في إعداد خطة طوارئ خاصة بها، مثل كيفيّة دخول المرضى وتوزيعهم، وكذلك فرق الإطفاء والدفاع المدني والجيش والصليب الأحمر اللبناني خضعوا لهذا التدريب.
تضيف: “انتهى التدريب في شباط والآن نجري تقييماً لمدى فعاليّته وأجرينا نوعاً من المناورة لكل مستشفى. أنهينا منطقة الجنوب وسننتقل إلى باقي مستشفيات المناطق.
وعن المرحلة الثالثة من الخطّة، تقول غلاييني: “جرى تدريب الممرضات والأطباء نفسياً للتعامل مع الحالات الطارئة في الحرب من قبل ذوي الاختصاص. دربنا نحو 160 مستشفى، أي قرابة 58 طبيباً و1725 ممرضاً. وحالياً نعمل في المرحلة الرابعة من الخطة على كيفيّة التعامل والعناية وتصنيف الأشلاء والجثث وهذا موزّع بين فرق الإسعاف والمستشفيات”.
تضع وزارة الصحّة أمامها سيناريو غزة، بحسب غلاييني. نراقب نسبة ونوع الجروح والحروق، وللأسف لا نملك في لبنان العدد الكافي من المراكز للتعامل مع الحروق. لذلك نعدّ تدريباً في حال اضطرّ المستشفى لاستقبال هكذا حالات. ولرفع الجهوزيّة أيضاً نحضّر مراكز رعاية أوليّة لاستقبال النازحين وتقديم الاستشارات لهم وتغطية النقص بعد التواصل مع عدد من النقابات ضمن الخطة الوطنية. بالإضافة إلى الكول سنتر.
جرى توزيع عدّة الإسعافات الأولية على المستشفيات، خصوصاً في المناطق الحمراء، كل واحدة منها تكفي 120 إصابة وطلبنا عدم استخدامها إلا عند الضرورة كما تم توزيع 50 طناً من الشاش والمعقّمات وغيرها. واجتمعنا مع جامعات التمريض لتحفيز الطلاب في المناطق الخضراء على التطوّع أو بالحدّ الأدنى تقديم المساعدة ضمن نطاق تواجدهم. وكذلك اجتمعنا بعدد من الصيادلة ونقابة العلاج الفيزيائي للانطلاق من ساعة الصفر أي لحظة وصول الإصابة وفتح قسم الطوارئ، تقول غلاييني.
بدوره، أوضح المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة محمد أبو حيدر في حديثه لـ”النهار” أنّ احتياطي المواد الغذائية في لبنان لا يتعدّى الـ3 أشهر، شارحاً أنّ السبب يعود إلى أنّ المستوردين يستوردون فقط لهذه المدّة إلا في حال الأعياد كشهر رمضان والميلاد. أمّا المشتقات النفطية فهي مادة لا تخزّن عكس المواد الغذائية. يمكن أنّ يكون متوفّراً لشهر أو شهرين كحد أقصى من المشتقات النفطية، بحسب قوله. كما أنّ حاجات المواطنين من الطحين تكفي لشهرين أمّا الغاز المنزلي فلشهر ونصف الشهر.
إلّا أن أبو حيدر يطرح سؤالاً مفاده “ماذا لو تعثّرت كل سلسلة الإمداد وكيف تصل المواد؟”. ويشدّد على أنّ أحداً لا يتمنّى الحرب ولا يريدها وهناك خطة جرى إعداداها مع بعض المستودرين لعدم حصر السلع في رقعة واحدة وكذلك تركنا كميات محدّدة من البنزين في المحطّات للمستشفيات أو المصانع والأفران، هذا شقّ عملي بسيط بعد الحديث عن احتماليّة اندلاع الحرب.
أمّا ممثل موزعي المحروقات في لبنان فادي أبو شقرا، فأكّد لـ”النهار” أنّ المخزون كاف والمحروقات متوّفرة والبواخر تصل بشكل طبيعي ولا مشكلة في الاستيراد، متمنياً عدم تطوّر الأوضاع في اتّجاه سلبيّ في المستقبل، قائلاً: “المواطن اللبناني لا يحتمل أي زيادة على أسعار المحروقات جرّاء التصعيد في المنطقة.
وفي الحديث عن التهديدات الإسرائيليّة ومدى جهوزيّة لبنان سيّما بعد تقرير صحيفة “تلغراف” البريطانية الأخير، قال النائب ياسين ياسين لـ”النهار”: “في ظل الانقسامات والانهيار المالي والاقتصادي الحاصل تزيد الأمور تعقيداً أكثر فأكثر ولبنان غير جاهز وخطّة الطوارئ التي قدّمتها الحكومة من نحو عام تقريباً لم تأتِ بأي نتيجة. لذلك علينا عمل ما بوسعنا ديبلوماسبياً لمنع الحرب.
وعن تقرير الصحيفة، قال: “شعرت بالإهانة بعد مشهد تجوّل السفراء في مطار بيروت، وهذا أعادني بالذاكرة إلى ما حدث في العراق مع صدام حسين واتّهامه بامتلاك السلاح النووي والصواريخ المدمّرة وكذلك أيضاً اتّهام مستشفى الشفاء بتخزين صواريخ تحتها. إسرائيل تضرب بعرض الحائط كل القرارات الدولية وتمضي قدماً بهذا الجنون.
وختم ياسين: “نحن لسنا جاهزين لأي سيناريو حرب فهي ليست فقط سلاحاً وصواريخ، بل أمن غذئي وصحّي واجتماعي والأهم ملء الشغور والوحدة الوطنية ما يؤدي لحماية لبنان. أمّا الوضع اللبناني فهو سيئ والمطلوب منع أي حرب بشتّى الوسائل”.
وبصفته عضواً في لجنتي الاتصالات والمهجّرين، استفسرنا من ياسين عن عمل اللّجان بخصوص دورها في حال نشوب الحرب، قال: “التعاطي يجري باستخفاف وهناك تقاعس كبير اتجاه الشعب ومصالحه”. وأضاف في الحرب ضدّ كورونا تُرك الناس لمصيرهم وكذلك المودعون. الناس فعلاً متروكون لمصيرهم”.