تعاظم الحديث في الفترة الأخيرة حول ما سُمّي استحقاق آذار 2025، وهو الموعد الذي يفقد فيه حاملو اليوروبوندز حقهم في المطالبة بالفوائد على أصل الدين. فهل انّ لجوء هؤلاء الى رفع دعوى قضائية أمر محسوم؟ وما هي مخاطر هذه الخطوة؟ وهل من مخارج يمكن ان تلجأ اليها الحكومة اللبنانية لتفادي الوصول الى القضاء الأميركي؟
في الواقع، سبب الالتباس انّ كثيرين لم يستوعبوا كيف يحق لهؤلاء المطالبة بفوائد طالما انّهم حصلوا على الفوائد المحدّدة على السندات مسبقاً. إذ انّ طريقة دفع الفوائد تتمّ كما هي الحال في السندات الحكومية المحلية. اي انّ حامل السند يحصل على الفائدة من خلال حسم مُسبق، فيصبح وكأنّه يدفع ثمن السند محسوماً منه الفائدة. أي انّه، وعلى سبيل المثال، يدفع 90 دولاراً ثمن سند قيمته الإسمية 100 دولار، والفائدة عليه 10%، ويستحق بعد سنة. وإذا كانت سندات اليوروبوندز تستحق على مدى سنوات مقبلة، تمتد حتى العام 2036، فكيف يمكن ان يطالب هؤلاء بفوائد اضافية قبل موعد الاستحقاق؟
في الواقع، ورغم انّ السندات الدولارية الموزعة على 27 إصداراً، تمتد مواعيد استحقاقها الى اكثر من 10 سنوات، الّا انّ ما غَفَل عنه البعض انّ اعلان الحكومة التوقف عن الدفع في آذار 2020، بهدف تحاشي دفع 1,2 مليار دولار كانت ستستحق في 10 آذار، جعل كل السندات مستحقة دفعة واحدة.
في الترجمة العملية لهذا الوضع، انّ الحكومة اصبحت مُلزمة بدفع كل السندات دفعة واحدة، والتي تبلغ قيمتها حوالى 31 مليار دولار. ومنذ آذار 2020، بدأ العدّاد يسجّل فوائد اضافية على المبلغ كاملاً. ووفق الحسابات الأولية فإنّ مجموع الفوائد خلال السنوات الخمس الممتدة بين آذار 2020 وآذار 2025 يتجاوز الـ10 مليارات دولار. وهذا يعني انّ الحكومة اللبناينة، وفي حال قرّرت بدء التفاوض على إعادة هيكلة الدين مع حامليه، فانّها ستفاوض على حوالى 41 مليار دولار وليس على 31 ملياراً. وعلى الدولة اللبنانية ان تدرك انّها مع كل سنة تأخير في التفاوض على الدين تخسر حوالى 2,5 مليار دولار اضافية. وقد يرتفع هذا الرقم اكثر، من خلال احتساب فوائد على الفوائد، وهو مبدأ متعارف عليه، ومن حق المقترض المطالبة به. وبالتالي، من يسأل لماذا ينتظر حاملو اليوروبوندز ولا يتقدّمون بدعوى قضائية، عليه ان يعرف انّ اسعار السندات انخفضت الى مستويات قياسية مقارنة بقيمتها الإسمية، وبالتالي، لم يعد حاملو هذه السندات هم الطرف الخاسر في مرحلة الانتظار، بل باتت الدولة هي من يدفع فاتورة المماطلة. وستضطر عاجلاً ام آجلاً إلى فتح هذا الملف، لكن مرور السنوات سيزيد حجم المبلغ الذي سندفعه لتسوية ملف الدين مع حاملي اليوروبوندز.
في عودة الى احتمال رفع دعوى قضائية من قبل حاملي السندات لحفظ حقوقهم في المطالبة بالفوائد الإضافية، فهذا الامر محسوم، إلّا اذا أقدمت الحكومة اللبنانية، وبمبادرة منها على تمديد فترة حقوق حاملي السندات بالمطالبة بالفوائد الى 10 سنوات بدلاً من 5 سنوات. لكن هذا الامر لا يزال موضع تشكيك، إذ انّ حاملي السندات يريدون ان يتأكّدوا من انّ خطوة من هذا النوع من قبل الحكومة اللبنانية كافية لحفظ حقوقهم دون أي لبس، وهذا الامر سيدرسه محامو هؤلاء ليتخذوا القرار، هذا في حال أقدمت الحكومة اللبنانية على مبادرة تمديد فترة حفظ الحقوق بالمطالبة بالفوائد. اما إذا لم تفعل ذلك، فإنّ الدعوى ستُقدّم حتماً، لأنّ حاملي السندات ليسوا جمعيات خيرية يمكن ان تتخلّى عن حقوقها، لا سيما وانّ الدولة لم تقم بأية بادرة حسن نية يمكن ان تطمئن المقرضين إلى جدّية المقترض في تسوية اوضاعه يوماً ما.