ليس متوقعاً أن تنتهي زوبعة تهديد “حزب الله” لقبرص في فنجان المساعي المبذولة لاحتوائها. ذلك أن هذا التهديد لا يزال يتفاعل ليس على المستوى اللبناني المحلي من باب التقصير الرسمي في التعامل معه، أو من باب ارتداداته على علاقة لبنان بالجزيرة، أو على اللبنانيين المقيمين فيها، بل الأهم والأخطر على ما أثاره من قلق على مستوى دول الاتحاد الأوروبي التي تسعى جاهدة الى الحفاظ على الاستقرار الامني في لبنان للحؤول دون حصول تدفقات جديدة من النازحين تجاهها.
على رغم كل محاولات احتواء تهديدات نصرالله للجزيرة الأوروبية والرسائل التي أراد توجيهها إلى الأسرة الأوروبية، فإن السؤال الذي لا يزال يشغل الأوساط اللبنانية لا يقف عند ما ستكون عليه تداعيات تلك التهديدات، على قاعدة أنها لم تخرج عن إطار التهويل وتوجيه الرسائل، منعاً لأي انزلاق أوروبي في المحظور الآتي من بوابة الجنوب، بل إن القلق الداخلي ناجم أساسا من ضعف الموقف اللبناني وعجزه عن التعامل مع خطر اندلاع الحرب، الأمر الذي يضع مصير البلد وأبنائه أمام مشهد غير مسبوق لناحية الأخطار التي ترتسم في الأفق، بعد تعثر كل الجهود الديبلوماسية المبذولة لتحييده، وخضوعه لعوامل خارج عن السيطرة.
لم يعد السؤال اليوم الذي يشغل الساحة اللبنانية هل تهديد نصرالله لقبرص جدي أو لا، وماذا سيرتب على لبنان واللبنانيين هنا أو المقيمين في الجزيرة، وأعدادهم تزايدت كثيراً في الأعوام الخمسة الأخيرة ولا سيما بعد الأزمة المالية والمصرفية عام ٢٠١٩، وإن يكن هذا السؤال مقلقا جداً، لما يرتبه أي استهداف من داخل الأراضي اللبنانية لبلد أوروبي بقطع النظر عن العلاقات والمصالح الناجمة عن قرب المسافة بينهما، بل أصبح السؤال الأقسى والأصعب: هل تقع الحرب بعدما ارتفعت حدة التصعيد والتهديدات لتبلغ مرحلة اللاعودة، بحيث تصبح الحرب حتمية وأمراً واقعاً ينزلق اليه لبنان تدريجاً، كما هو حاصل منذ السابع من تشرين الأول الماضي، حيث خرجت المواجهات عن قواعد الاشتباك وتوسعت دائرتها وأدواتها في شكل متنام؟
كل الوقائع السياسية والميدانية المستندة إلى حجم التهديدات ومستواها، معطوفة على الحركة الديبلوماسية الكثيفة الهادفة إلى خفض منسوب التصعيد، وزيارة أمين سر الفاتيكان بيترو بارولين اليوم ووزيرة خارجية ألمانيا انالينا بيروك الثلثاء، بالتزامن مع وصول حاملة الطائرات الأميركية “أيزنهاور” إلى مياه المتوسط، كلها وقائع تنذر بأن خطر الحرب بات شبه حتمي، واندلاعها مسألة وقت. ولكن في المقابل، ثمة معطيات تبرز أن التهويل والتهديد لا يعنيان بالضرورة أن الحرب واقعة، بل على العكس، إن الصراخ والضجيج يهدفان إلى بذل أعلى الجهود وفتح قنوات التفاوض على النقاط التي يمكن التفاهم عليها لمنع الانزلاق إلى انفجار يعي طرفاه أن الخروج منه لن يكون إطلاقا كما دخوله.
لذلك، وقبل أن يحسم مسار العمليات الإسرائيلية في رفح، ستكون الأيام وربما الأسابيع القليلة المقبلة حافلة بالحماوة والترقب في انتظار ساعة صفر لا يعرف ما إذا كانت لبدء الحرب أو للتسوية!