بالارقام: هذه هي الكلفة المباشرة سنويا لتداعيات الوجود السوري

لم تكن الأرقام التي خلص اليها التقرير غير المنشور بعد للبنك الدولي عن “تداعيات الأزمة السورية على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في لبنان” صادمة للبنانيين. فلقد باتوا يدركون أنهم أقلية عددية في بلدهم، شاء من تواضع واعترف بالواقع، أم أبى من لا يزال يكابر بدفن رأس الحقيقة في الرمال.

ثقل النزوح السوري ووجوده على كامل مساحة البلاد بات مرئيا ومحسوسا أكثر من ذي قبل، بسبب من الانهيار الاقتصادي والنقدي في لبنان وسوريا على حد سواء، وزيادة معدلات الفقر، وتدرج العمالة السورية من العمل المياوم، إلى منافسة اللبنانيين في غالبية المهن والوظائف، وصولا إلى الإمساك شبه الكلي بحركة التجارة في بعض الأسواق.

والمشكلة الأكبر هي في الأكلاف السنوية المتكررة لاستضافة اللاجئين السوريين في لبنان، والتي قدرها البنك الدولي بنحو 1.55 مليار دولار، (كلفة الاستجابة للحاجات المباشرة فقط).

وبسبب زيادة معدلات الاستهلاك عليها، تضررت مختلف الخدمات العامة المنهكة أصلا، مثل الكهرباء والماء والصرف الصحي وغيرها، ونشأت على الهامش أزمات الاستهلاك المضاعف للطحين والخبز والمحروقات، والأدوية التي تضاعف استهلاكها (أو تهريبها) ثلاثة أضعاف.

تقرير البنك الدولي عن “تداعيات الأزمة السورية على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في لبنان” لم يصدر رسميا بعد، لكن مسوّدته عرضت على المعنيين ونوقشت في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، وفي ضوئها ستضع الحكومة خطة عمل.

التقرير أشار الى أن التدفق المفاجئ والكبير للنازحين السوريين إلى لبنان، والذي بدأ عام 2011، أدى إلى أعلى نسبة تركز للنازحين في العالم. فوفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يستضيف لبنان نحو 1.5 مليون نازح مسجل وغير مسجل معظمهم غير مقيمين في مخيمات رسمية للاجئين، بما يجعل تدفق النازحين واحدا من أكبر المعدلات في العالم.

وفق وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين، فإن التقرير يضيء على جانبين، الأول أثر الحرب في سوريا على اقتصاد لبنان والنمو فيه مقدرا الخسائر بمليارات الدولارات، والثاني يتعلق بأزمة استضافة اللاجئين التي قدر خسائرها بمليار ونصف مليار دولار سنويا.

ولكن هذه الخسائر في رأي ياسين تشمل فقط الكلفة المباشرة، أما إذا أردنا احتساب الكلفة الإجمالية لاستضافة اللاجئين المباشرة وغير المباشرة فيتوجب مضاعفة رقم المليار ونصف المليار 13 ضعفا، مستندا في ذلك الى تقرير الـ”LCRP” الذي حدد كلفة اللجوء بـ4 مليارات ونصف مليار سنويا. ويشير ياسين الى أن “تقرير البنك الدولي لم يحتسب تكاليف المياه والصرف الصحي والتدهور البيئي، مع الأخذ في الاعتبار أن غالبية اللاجئين السوريين استقرت في المناطق الشعبية الفقيرة التي تعاني أساسا مشاكل بيئية تفاقمت مع قدومهم”.

فالتقرير أشار الى أن “لبنان كان الأشد تضررا من الصراع السوري مقارنة بالبلدان المجاورة (الأردن والعراق وتركيا)، إذ كان أثره السلبي كبيرا على الناتج المحلي الإجمالي للبنان. وتسببت الحرب التي بدأت عام 2011، بانخفاض معدل النمو بواقع 2-3 نقاط مئوية سنويا حتى عام 2017 (ما يعادل نحو 31 مليار دولار).

وقد أدت التداعيات الأمنية والسياسية السلبية إلى إضعاف الاستهلاك والاستثمار والتجارة. وبين عامي 2011 و2017، انخفضت الاستثمارات الإجمالية بنحو 20%، في حين انخفضت الواردات والصادرات بنحو %35% و45% على التوالي، جراء الصراع.

وقدر التقرير مجمل التكاليف السنوية المتكررة لاستضافة اللاجئين السوريين في لبنان بنحو 1.55 مليار دولار. وتمثل التكاليف الإجمالية تقديرا للمبلغ الإجمالي المطلوب الضمان لـتلبية الحاجات من حيث الغذاء والمأوى والحد الأدنى من الخدمات العامة، ويختلف المبلغ الإجمالي المطلوب عن المبلغ الفعلي الممول من الجهات الإنسانية ومن الحكومة (أي التكاليف التي تتحملها المالية العامة). ولم يؤخذ في الحسبان الاستثمار الرأسمالي، والتكاليف الاقتصادية الأوسع وإيرادات الضرائب المباشرة وغير المباشرة، بسبب نقص البيانات.

ولا ينفي ياسين أن التقرير يتضمن بعض الإيجابيات، كإشارته الى أن كلفة الاستهلاك التي ارتفعت لم تعوض الخسائر في الفرص الاستهلاكية، بما يدحض فكرة أن النازحين ساهموا في ارتفاع نسب الاستهلاك على نحو عوّض التباطؤ الاقتصادي. على سبيل المثال، قال التقرير “يبدو أن الأثر السلبي للصراع على الاستهلاك والاستثمار والتجارة يفوق الأثر الإيجابي للاجئين على المستوى المحلي”.

أهمية التقرير أنه صدر عن المؤسسة المالية الأولى في العالم، بما يعزز في رأي ياسين الموقف اللبناني أمام المجتمع الدولي، وخصوصا حيال المطالبة بالعودة الآمنة للنازحين، فيظهر بصورة علمية أن هبة المليار أورو من الاتحاد الاوروبي ضئيلة جدا، وتاليا يجب المطالبة بدعم لبنان لتحمل هذه الأعباء التي تتحملها المناطق الفقيرة والمهمشة أساسا في لبنان الى حين مباشرة إعادة النازحين السوريين الى بلدهم بصورة آمنة.

واللافت الى أن التقرير أضاء على مسألة المنافسة على الوظائف بين السكان المضيفين واللاجئين منذ أزمة عام 2019، إذ “أصبح اللبنانيون الأكثر حاجة، مدفوعين إلى وظائف متدنية المهارات كان يشغلها السوريون في العادة. وقد ساهم ذلك على الأرجح في تدهور العلاقات بين اللبنانيين والسوريين. فبين عام 2018 وأوائل 2023، كانت أكبر الأنشطة الاقتصادية للبنانيين في مجالات تجارة الجملة والإدارة العامة والتعليم. أما عام 2023 فكان ما يقرب من ثلثي النازحين السوريين يعملون بشكل اساسي في مجالات خدماتية أخرى وفي قطاعي الزراعة والبناء”.

الى ذلك، يساهم اللاجئون السوريون في زيادة الضغط على الموارد الطبيعية والتلوث وتدهور الأراضي. إذ يراوح الطلب الإضافي على إمدادات المياه وتصريف مياه الصرف الصحي الناتج من اللاجئين السوريين بين 21 و 22% من مجمل الكميات، وهو ما يؤدي إلى زيادة الضغط على الموارد المائية وزيادة حجم التلوث الناجم عن مياه الصرف الصحي، وفي الوقت الحالي، لا تتم معالجة سوى 5-6% من مياه الصرف، فيما ينتج اللاجئون السوريون نحو %20 من مجمل كميات النفايات الصلبة.