انشغل الميدان السياسي والإعلامي خلال الساعات الماضية، بتحليل رسائل الفيديو الذي بثّه الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية بعد رسالة ترقب بعنوان “ترقبوا.. ما رجع به الهدهد”.
في التوقيت، صدرت المشاهد بعيد زيارة المبعوث الأميركي إلى لبنان عاموس هوكشتاين ولقاءاته عددًا من المسؤولين اللبنانيين في إطار جهوده الضاغطة باتّجاه تحقيق الهدوء على الجبهة الشمالية للعدو. أمّا في الشكل، فقد برزت أكثر من ملاحظة ترتبط بـ: مدة الفيديو، تنوّع الأهداف الدقيقة التي سجّلها، والرسائل المبطنة والمعلنة التي تقصّد إرسالها إلى قيادة العدو.
1 – في الاسم: الفيديو يحمل عنوان “الهدهد”، اسمٌ لمسيّرةِ المقاومةِ التي جالت فوق فلسطين المحتلة بعمق متفاوت وتمكّنت من تجاوز وسائل الدفاع الجوي للعدو، وعادت بالمعلومات اللازمة دون أن تتمكّن وسائله من كشفها. والهدهد يرمز أيضًا بناء على القصة القرآنية، إلى حامل الرسالة المحنّك السريع، وعادة ما تستخدم قصّة هذا الطائر مع النبيّ سليمان في ضرب المثل حول فنون الحرب النفسية في الاعلام “أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ” (سورة النمل). أمّا علميًا، فالهدهد سريع جدًا في الطيران، ويتحمل الظروف الصعبة، وهو ذكي ومراوغ، ولديه قابلية تخفٍّ ودفاع عن النفس.
2 – في المدّة: مقطع الفيديو الذي نشره الإعلام الحربي لحزب الله للأهداف المصوّرة فوق فلسطين المحتلة مدّته تسع دقائق واثنتان وثلاثون ثانية، توزّعت بشكل متفاوت على الأهداف الثلاثة في الفيديو، مركّزة في جلّها على ميناء حيفا البحري (وفي ذلك دلالة متعمّدة ربما)، الذي حاز في الفيديو على قرابة أربع دقائق وخمسين ثانية، مقابل دقيقتين لـ”كريوت”، ودقيقتين وعشر ثوانٍ لمجمع الصناعات العسكرية – شركة رفائيل.
3 – في تفصيل الأهداف: عرض الفيديو لثلاثة أنماط من الأهداف:
– مجمع الصناعات العسكرية “شركة رفائيل” هي هدف عسكري بحت، يشمل منطقة صناعية عسكرية تتبع للشركة، تضم عددًا كبيرًا من المصانع (مصانع أنظمة التحكم والتوجيه) والمخازن وحقول التجارب (مخازن محركات صاروخية، مخازن صواريخ الدفاع الجوي)، ويجري فيها تصنيع وتجميع مكونات أنظمة الدفاع الجوي الفعال خصوصًا القبة الحديدية و”مقلاع داوود”. وبحسب الفيديو، فإن المنطقة تعتبر بالغة الحساسية والسرية، وتبلغ مساحتها الإجمالية 6.5 كلم مربع، وتبعد 24 كلم عن الحدود اللبنانية.
– منطقة ميناء حيفا، وهي منطقة استراتيجية بامتياز لما تتضمنه من أهداف استراتيجية حساسة ومنشآت عسكرية ومرافق صناعية وتجارية ضخمة، أهمها وأكثرها خطورة: خزانات المواد الكيميائية، وخزانات النفط، وقاعدة حيفا العسكرية المسؤولة عن الساحة البحرية الشمالية (وهي القاعدة البحرية الأساسية في جيش العدو)، وميناء حيفا المدني الأكبر في فلسطين المحتلة حيث توجد مبان تتبع قيادة وحدة الغواصات، ومبنى قيادة وحدة الغواصات “شييطت 7″، وسفينة “ساعر 4.5” المخصصة لمواجهة الغواصات وسفينة “ساعر 5” و”ساعر 6″، وزوارق ديفورا، ورصيف مرزاحي، إضافة إلى محطة كهرباء حيفا ومطار حيفا.
– الكريوت، وهو تكتل عمراني سكاني عالي الكثافة يحاذي خليج حيفا ويقع شمال المدينة المحتلة، يبلغ عدد مستوطنيه 260 ألف مستوطن، ويضمّ 6 مدن وأحياء كبرى، وتبلغ مساحته 20 كلم مربعًا، ويبعد عن الحدود اللبنانية 28 كلم. فيديو الهدهد عاد بمشاهد تفصيلية ودقيقة للشوارع والمباني وحركة السير في الـ”كريوت”، مثل “مساكن السلك النظامي”، “ميدان كارتي”، المجمع التجاري “اوشر عاد”، ومجمع “سافيونائي يام”، وأبراج حدائق أبراهام، والمجمع التجاري “بيغ كريوت”.
4 – الأجزاء: ربما هي من المرّات الأولى التي يعرض فيها الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية فيديو يتضمن أجزاء. فقد كشف فيديو “الهدهد” مع الثواني الأولى لبدايته عن وجود جزء ثانٍ، لم يعلن عن زمان عرضه، ولا عن الأهداف التي صوّرها، كما نوّه الفيديو في آخره إلى ما بعده بعبارة “يتبع”.
وكان الفيديو قد افتُتِح بمشاهد لمستوطنات الكيان، من “كريات شمونة”، إلى “نهاريا”، فصفد و”كرمئيل” وحيفا وصولًا إلى “العفولة”، واختتم بعبارة “والطير صافات” باقتباس من الآية الكريمة “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ” – النور 41.
أظهرت المشاهد دقّة عالية في الإحداثيات، مع تحديد المسافات وبعدها جغرافيًا عن الحدود اللبنانية، فضلًا عن خطورة وتعدد بعض الأهداف العسكرية والاستراتيجية، التي قد يمثّل استهدافها ضربة موجعة للعدو، ويتسبب بخسائر فادحة مثل مخازن النفط وخزانات المواد الكيميائية. رغم ذلك، فإن الضرر الأعظم سيترتب على الوعي لدى مستوطني الكيان، الذين سيتيقّنون أن لا أمان لهم في هذه الأرض، حيث يجاورهم حزب الله بقدرة استخباراتية متفوّقة، تصل إلى فوق المباني التي يقطنون فيها، وتجول فوق مجمعاتهم التجارية وأسواقهم، وشوارعهم، وترصد مسار سياراتهم، ومينائهم، وسفنهم، ومصانعهم العسكرية، ومخازن نفطهم وتعود بالمعلومات والإحداثيات دون خدش، ولو شاءت قيادة المقاومة، لكانت كلّ الأهداف التي عاد بها “الهدهد” في خبر كان.
المصدر : العهد الاخباري