أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس، الاتفاق على عقد قمة ثلاثية فرنسية – أميركية – إسرائيلية لـ”بحث خارطة طريق لنزع فتيل التوترات بين حزب الله وإسرائيل”، بعد تأكيد الرئيسين الأميركي والفرنسي، في قمة النورماندي، على ضرورة منع التصعيد وتطبيق القرار 1701.
وفي حين يتوجّه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي ووزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر إلى واشنطن في اليومين المقبلين لعقد “لقاءات هامة” حول الوضع في لبنان وإيران، انهى وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن زيارة الى المنطقة شملت إسرائيل ومصر وقطر والأردن مؤكداً من الدوحة أن الاتفاق حول غزة “سيكون له تأثير هائل في خفض التوتر بين إسرائيل ولبنان”. فهل تثمر جولته حلولاً؟
المحلل السياسي الدكتور خالد العزي يؤكد لـ”المركزية” ان “بلينكن مُرسَل من الرئيس الاميركي جو بايدن الذي دخل في تفاصيل عملية التهدئة، خاصة وان الديبلوماسية الاميركية الخاصة بالحزب الديمقراطي ما زالت تسعى الى ضبط الامور التي من الممكن ان تؤثر فعليا على المنطقة وتنعكس على سير الانتخابات الاميركية. من هنا جاء بلينكن ليس ليستكشف الآراء ويعقد جولات وانما ليُبلِّغ قرارات بلده الى الاطراف المعنية بعملية الصراع، لجهة ضرورة انهاء الحرب والتوصل الى هدنة انطلاقا من مشروع القرار الاميركي بشأن مقترح وقف اطلاق النار في غزة والذي تبناه مجلس الأمن الدولي بموافقة 14 دولة. إلا ان اسرائيل ما زالت تتهرب وكذلك حركة “حماس” ويرسلان “تمريرات” لبعضهما البعض في عملية ترتيب اولويات الصفقة والانقلاب عليها وهذا يدل على انها لا تزال غير قابلة للتنفيذ”.
ويشير العزي الى ان “مطالب “حماس” صعبة جدا، فهي تريد ضمانات روسية وصينية، رغم ان الروس والاميركيين لم يجتمعوا معاً منذ حرب اوكرانيا. كما ان روسيا وافقت على ان تقدم ضمانات وتفتح كوة مع الاميركيين، لأنها تفتح أمامها أبواب الشرق الاوسط وتعوم دورها في المنطقة كلاعب سلام، وهي تسعى للحصول على امتيازات سريعة لعدم الضغط عليها لجهة العقوبات والتي كانت تأمل من الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة رفعها عنها بخصوص الشركات وتحديدا الصينية التي تصدر قطع سلاح تستخدمها روسيا.اما “حماس” فتريد وقفا نهائيا لإطلاق النار وعدم نزع سلاحها ولذلك نراها تتنصل من الاتفاقيات وتحاول إعادة قراءة البنود والتلاعب بصياغتها.
ويؤكد العزي ان بلينكن اوصل رسالة الى اسرائيل مفادها عدم التسرّع في فتح جبهة في الجنوب اللبناني لأنها لن تكون مجدية لاسرائيل او المنطقة، وركز على كيفية فرض الالتزام بالهدنة. واشنطن تهز عصوَين، عصا الخارجية ويقودها بلينكن وعصا الامن ويهزها مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان. فإذا فشلت الخارجية سيقول الامن كلمته ويعطي اسرائيل الضوء الاخضر لضرب لبنان. لكن الى اي مدى سينجح؟ زيارة بلينكن لن تكون ناجحة لسببين، لأن شروط حماس غير ثابتة والموقف الاسرائيلي دوما متطرف ويهدد بالسلاح ويريد جر ايران الى المواجهة، وكل الصواريخ التي يضربها الحزب على الشمال وتحرق القرى لا تهمه لأنه أجلى السكان، بل ينفذ بالمقابل ضربات موجعة ويضرب البقاع والهرمل، وهي خطوط خلفية يستخدمها الحزب، وتقوم استراتيجيته على الاغتيال وقطع الامداد وضرب المخازن. اسرائيل في النهاية لديها خطة، هي لا تريد ان تعيش مرحلة 7 اكتوبر مجددا بل ان تنتقل الى مرحلة جديدة حتى لو بقي الحزب وحماس، لأن حماس اصبحت شبه هيكل ولم تعد تستطيع الادارة وبالتالي الحزب سيخرج خارج الليطاني شاء من شاء وابى من ابى تنفيذا للاتفاق، ولن تقدم له واشنطن حوافز او جوائز ترضية لا في رئاسة الجمهورية ولا في غيرها”.
ويعتبر العزي ان “القرار الاميركي بدأ يلين لجهة توسيع اسرائيل الضربات على الجبهة الجنوبية للبنان في ظل تعنت حزب الله وتحدي كل المواقف الدولية الساعية من أجل ايجاد تسوية وعدم توسيع هذه الجبهة. ولن تتمكن ايران من التدخل في هذه الحالة، لأن الرد عليها سيكون بسرعة في العمق الايراني ولن يكون اسرائيليا فقط وانما اميركي أيضاً”.
ويرى ان بلينكن يعمل ديبلوماسيا على منع توسعة الحرب. لكن في حال تطورت الامور فإن ما نشهده اليوم مجسم صغير لما ستكون عليه الحال اذا قررت القيادة السياسية خوض المعركة ضد حزب الله. صحيح ان الحزب سيستطيع تسطير ملاحم لأنه يمتلك صواريخ وقدرات ويمكن ان يحقق بعض الاصابات الكبيرة في اسرائيل لكن الكلفة ستكون ميالة اكثر لمصلحة اسرائيل التي تعتمد على تكتيكات واستراتيجيات حديثة في التكنولوجيا والطيران وتستهدف بواسطة الذكاء الاصطناعي ومن المرجح ان تكون اخترقت مجموعة من الجيوش في المنطقة. في المقابل، حزب الله وضع سياسة استراتيجية جيدة منذ بداية المعركة وكان يقول بأنه يدافع عن غزة ولبنان ساحة ارباك ومساندة ولكن منذ مجيء وزير الخارجية الايراني بالإنابة علي باقري الى بيروت، أصبح لبنان في حالة حرب ومواجهة لأنه انزلق تحت شعار ان حزب الله بات يدافع عن لبنان”.
ويضيف: “بلينكن يحاول ان يدفع بصيغة للبدء بمحاولة نزع فتيل الازمة لأن اسرائيل فصلت لبنان عن غزة، وهذا ما كان يحاول الحزب منذ البداية ان يقول بأن اذا انتهت قضية غزة فعمليا المعركة ستسقط وبالتالي ستعود الامور الى ما كانت عليه قبل 8 اكتوبر، لكن اسرائيل وجهت تحذيرات ان هدنة غزة لا تشمل الجنوب اللبناني وسوريا ،لأن هذه الحرب منفصلة كليا عما يتوقعه حزب الله ولن يفك قواعد الاشتباك لأن اصلا لا توجد قواعد اشتباك. اسرائيل حددت نقاطا، والخطة الفرنسية كما الاميركية تتحدث عن 3 نقاط: انهاء الحرب وإعادة السكان الى الشمال الاسرائيلي والجنوب اللبناني والبدء بعمليات تصليح وإعمار وتموضع قوات الرضوان الى خارج خط الـ1701 والبدء بترسيم الحدود البرية”.
ويؤكد العزي ان “كل النقاط التي عملت عليها الخطتان الفرنسية والاميركية ستعمد على تنفيذها الولايات المتحدة لكنها تحاول ان تمنع الاسرائيلي من السير بجر ايران الى المعركة لأن واشنطن لا تزال تأمل خيرا من ايران خاصة الحزب الديمقراطي الذي يعول على الدور الايراني بإعطائه نصرا من خلال السير بإنهاء الحرب. وفي حين تصعّد ايران في لبنان وغزة، يناقش بلينكن مع مصر والسعودية وقطر واسرائيل ويبعث برسائل الى ايران وحزب الله عبر هذه الدول بأن الولايات المتحدة جادة بتنفيذ الاتفاق. لكن مشكلة ايران أنها تريد ثمن هذه الجبهات ومستاءة لأن واشنطن لم تدعها للجلوس الى طاولة المفاوضات. لا يهمها الشعب اللبناني او الخسائر او الدمار، بل فقط ان تكون شريكة في مفاوضات اليوم التالي. وفي حال لم تستطع الولايات المتحدة لجم قوة الحرب ما بين الطرفين وابقاء حزب الله المرتبط بالموقف الايراني المتشدد الذي ابرمه وبلوره باقري من ان ايران لا تزال متشددة ومتماسكة وتريد ان تكون طرفاً اساسياً ومشاركاً في المفاوضات القادمة في غزة، عندها يمكن ان تتريث وتدفع بحزب الله الى الوصول الى تسوية”.
ويختم العزي: “هل واشنطن قادمة الى الشرق الاوسط وستقول لايران بأنها تقبل بوجودها على طاولة المفاوضات بعد ثمانية اشهر من التفاوض المتعدد بينهما في عمان وعبر سويسرا والمانيا؟ هل ستقول اميركا كلمتها ان التفاوض سيكون بطريقتي ولن اعطي حوافز لايران او لاذرعها وستقول لاسرائيل بأن آن الاوان للجم هذا التعنت؟ في كل الاحوال، لبنان سيكون الخاسر الاكبر في حال توسعت الحرب”.