تشهد الساحة الرئاسية زحمة مبادرات، فما أن أطلق تكتلّ «الإعتدال الوطني» مبادرته، حتى ظهرت سلسلة مبادرات أبرزها للحزب «التقدمي الإشتراكي» ومن ثم لرئيس «التيّار الوطنيّ الحرّ» النائب جبران باسيل، والجامع المشترك بين كل تلك المحاولات حصولها على دعم اللجنة الخماسية وتشجيعها من أجل الوصول إلى رئيس في أقرب وقت ممكن.
استطاع باسيل الخروج من الإصطفاف العمودي القائم بين فريقي «الثنائي الشيعي» من جهة والمعارضة السيادية من جهة ثانية، ويحاول الرجل اللعب على التناقضات القائمة وحجز موقع بعدما خرج من عباءة «حزب الله» ولو لم يكسر الجرّة نهائيّاً معه. وتشير المعلومات إلى انطلاق باسيل في حراكه من مجموعة ثوابت أبرزها عدم الصدام مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وعدم اقصاء أي مكون وخصوصاً «القوات اللبنانية» والمعارضة، والذهاب إلى أكبر توافق ممكن من ضمن الخيار الثالث.
ولا يحبّذ باسيل الدخول في لعبة الحسابات الرقمية، إذ ليس بالأرقام وحدها تحصل الإنتخابات الرئاسية في لبنان، فحتى لو كان باستطاعة الكتل الوسطية الممثلة بنحو 45 نائباً إختيار رئيس بالتفاهم مع «حزب الله» وفريقه، إلا أنّ باسيل يرفض هذا الأمر، فخروج المعارضة السيادية من التسوية يعني وصول رئيس مبتور ولا يستطيع الحكم. وانطلاقاً من هذا المعطى، هناك شبه توافق بين الكتل الوسطية على عدم الذهاب برئيس صدامي لا ترضى عنه المعارضة والمملكة العربية السعودية والمجتمعان العربي والدولي، وبالتالي تعرف الكتل الوسطية ومن ضمنها كتلة «لبنان القوي» أهمية هذه النقطة.
لا يمانع باسيل في عقد لقاءات تشاورية في المجلس برئاسة بري، على اعتبار بري رئيس مجلس نواب لكنه يرفض تكريس الأعراف أو تحوّل تلك اللقاءات التشاورية إلى حلقات من الجدل البيزنطي، فالهدف منها تسريع الإنتخاب لا محاولة فرض رئيس أو المماطلة بالإستحقاق وانتظار التغيّرات الإقليمية لفرض رئيس. ويحاول باسيل أن يكون براغماتيّاً بالتحرك ويهدم الحواجز مع بري و»القوات»، وسيعمل تكتل «الإعتدال الوطني» على لعب دور إيجابي لتقريب المبادرات بينهم وبين باسيل و»الإشتراكي» وذلك لتوحيد الجهود وتأمين قوّة دفع واحدة للإستحقاق الرئاسي.
وإذا كان بري يراهن على حصول تغيّر ما وقبول «الإشتراكي» وباسيل بمرشّحه رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، يبدو باسيل واضحاً في رفضه فرنجية وعدم السير به وطرح أسماء توافقية أخرى يعمد إلى تسويقها مع قوى خارجية مثل قطر التي ينسّق معها المبادرة وينسج معها أفضل العلاقات.
واللافت في حديث باسيل أمام من يلتقيهم من نواب وكتل وسطية هو كلامه الإيجابي عن قائد الحيش العماد جوزف عون، إذ ينقل عنه زواره تأكيده أن لا خلاف شخصياً مع قائد الجيش، وإذا سار به الجميع فلن يقف حجر عثرة أو يواجهه. ويفهم من هذا الكلام حصول نقلة نوعية في موقف باسيل.
ويمكن تفسير ايجابية كلام باسيل تجاه عون بأنه نوع من المراوغة أو إبداء حسن النية، أو قراءة باسيلية للمشهد الإقليمي وحصوله على نصيحة قطرية نظراً لما يدور من مفاوضات إقليمية ومفاوضات واشنطن مع طهران وقربهما على الإتفاق على ملفات عدّة في المنطقة ومن ضمنها ملف لبنان، وهذا الأمر إن حصل يتيح الإتفاق على اسم جوزاف عون بعد حرق بقية الأسماء الوسطية. في حين بات خيار فرنجية مستبعداً بسبب عدم حصوله على ضوء أخضر سعودي وعدم تأييده من الكتل المسيحية الفاعلة. ونظراً لكل هذه العوامل يمكن أن تحصل تكويعة من قبل باسيل لكي لا يكون خارج المشهد الرئاسي الجديد.
لا بد من متابعة حركة باسيل هذا الأسبوع، ففي حال تمّ الإتفاق مع بقية الكتل الوسطية، ستشكّل قوة ضغط داخلية لا يمكن إنكارها، لكن يبقى الأساس هو تقريب المسافات بين المعارضة السيادية وفريق «الثنائي الشيعي» وليس فقط من أجل الحسابات الداخلية بل نظراً لما قد يحمل هذا التقارب من مؤشّر خارجي.