تتعاطى قوى المعارضة بـ”واقعية” مع القمة الفرنسية- الأميركية التي ستُعقد في 8 حزيران الجاري، على هامش الاحتفالات بالذكرى الثمانين لإنزال الحلفاء في النورماندي في خلال الحرب العالمية الثانية.
واقعية رسختها، على الأرجح، تجارب مريرة كثيرة، ورهانات على الخارج وتدخله لصالح “قضايا محقة كالسيادة والقرار الحر”، أتت مخيّبة للآمال مراراً، وتقاطعت في مرات نادرة.
ومع ذلك، تقارن الأحزاب المسيحية بين القمة الفرنسية-الأميركية عام 2004 زمن جاك شيراك وجورج بوش، وبين القمة المرتقبة التي تجمع إيمانويل ماكرون وجو بايدن في الـ2024 فتجد أن “المعطيات اليوم أفضل”. وتشرح “يومها كانت الأحزاب والقوى المسيحية إما في المنفى أو في السجن. وكان النواب المعارضون في البرلمان لا يُشكلون ثقلاً مؤثراً، وقد أمسك النظام السوري بكل مفاصل البلد”.
في قراءتهم يبدو “الراهن أفضل لجهة التوازنات الداخلية سواء في السلطة أو خارجها”. لكن ذلك لا يجعلهم يعلّقون آمالاً على أي نتائج استثنائية للقمّة، تنعكس حلولاً جذريّة على الأزمات اللبنانية المتعددة.
لا أوهام ورهانات
أقصى ما تراهن عليه الاحزاب والقوى المسيحية أن “نكون جاهزين في الداخل لالتقاط لحظة تقاطعات المصالح والإرادة الخارجية مع المصلحة الوطنية، في ملفات حيوية تطال وجود البلد ومصيره”. يستشهد هؤلاء بما حدث منذ العام 2005 بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري. “يومها، ونتيجة الثبات على المواقف ومراكمتها، والتي كان للبطريرك نصرالله صفير ولقاء قرنة شهوان و”نبض شباب” القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والكتائب الدور الأساس فيها، استطاع اللبنانيون السياديون التقاط لحظة التقاطعات الدولية فكان الخروج السوري”.
هو الرهان نفسه اليوم. لا أوهام ولا انتظارات كبرى من القمة الفرنسية- الاميركية. “فجدول أولوياتها معروف للجميع من غزّة إلى أوكرانيا، ومن إيران إلى البحر الأحمر، قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية. وسيحضر لبنان، كتفصيل مرتبط بأمن اسرائيل وحساباتها، واستقرار المنطقة”، على ما يتفق عليه معارضون.
يعترف هؤلاء أنه “صحيح في الشكل تبدو موازين القوى في الداخل متقاربة في السياسة وفي المجلس النيابي، إلاّ أن سطوة حزب الله وسلاحه، وخلفه إيران وأجندتها، تعطيهما أرجحية على الساحة اللبنانية وحتى في المفاوضات، إلاّ أن اللحظة الراهنة حمّالة مفاجآت. لم نعد في “ستاتيكو”؛ الأزمات متفجّرة ولا بد من حلول مهما اشتدت الظروف، والاحتمالات مفتوحة على تغييرات كبيرة وخطيرة”.
اللوبي” المتواضع”
لكن هل يملك أحد من القوى المعارضة تصوراً عن “التغيير” الآتي؟ هل من عَمِل على أن يكون له صوت مسموع في القمة المقبلة أو في الأوساط المؤثرة سواء أوروبياً أو أميركياً؟ بسؤال عدد من النواب والمسؤولين الحزبيين في الكتائب والقوات والتيار الوطني الحرّ تبدو الإجابات متقاربة. جميعهم يؤكدون أنهم لم يتوقفوا عن إسماع صوتهم ورأيهم في الملفات اللبنانية الحساسة لسفراء الدول الذين يلتقونهم، كما للمسؤولين في الخارج، لاسيما دول الخماسية.
وطالما “المجالس بالأمانات” لا يترددون في الإفصاح عن “القدرات المحدودة للتأثير في دوائر القرار”. ومع ذلك يشيرون إلى “وجود لوبي لبناني متفاوت التأثير يسعى إلى نقل الهواجس اللبنانية إلى هذه الدوائر، وينقل وجهة نظر الأحزاب المذكورة التي تتفق على ملفات أساسية: “انتخاب رئيس للجمهورية ومعالجة أزمة النزوح السوري وعبئه الكبير على لبنان ووقف الحرب جنوباً ومنع تمددها”. أما الكتائب والقوات فيعتبران أن “المطلوب بشكل أساسي وقف التدخل الإيراني المباشر في رسم سياسات لبنان وخياراته، وإيجاد حل نهائي لسلاح حزب الله وفك ارتباطنا بأزمات المنطقة. وهنا جوهر مشاكلنا”.
تمايزات هذه الأحزاب لا تمنعها من الاتفاق على فكرة أساسية: وجوب البقاء جاهزين في انتظار لحظة تقاطع المصالح.
أما ترجمة “الجهوزية” فلا تتعدى “الثبات على القناعات وتوسيع التفاهمات الوطنية ما أمكن، كي لا يأتي أي توافق دولي، سواء القمة الفرنسية-الاميركية أو غيرها، ليضع لبنان مجدداً في “عهدة” محور يقضي على ما تبقى من هوية البلد وخصوصيته” .