تُعد الحروب والكوارث الإنسانية من أكبر التحدّيات التي تكشف عن مرونة الشعوب في مواجهة الصعاب، وفي الوقت ذاته تبرز قوة التضامن والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع في لبنان، وخلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي خلّفت آلاف النازحين، برزت المبادرات والجمعيات الإنسانية كخط دفاع أول ضد المآسي التي أصابت المدنيين.
وقد بذلت هذه المبادرات جهوداً كبيرة في تلبية الاحتياجات الأساسية للنازحين، سواء بتوفيرها المأوى والطعام والدواء، أم بدعمها الصحة النفسية وتخفيفها من معاناتهم ، وقامت الجمعيات المحليّة والدولية بتنسيق حملات إغاثية طارئة ساهمت في الحدّ من التدهور الحادّ في أوضاعهم.
ومن بين هذه المبادرات، مبادرة “خيط من الأمل” الشبابية، التي قدّمت وما زالت تقدّم الدعم للنازحين في الجنوب اللبناني وبيروت وضواحيها ، كيف تأسّست هذه المبادرة، ومن أين تحصل على تمويلها؟ وما هي أهدافها وتطلعاتها المستقبلية؟
“المبادرة مستمرّة”
بدأت فكرة تأسيس المبادرة من الشاب باسل شامي مع بداية الحرب الإسرائيلية الموسّعة على لبنان، حين نزح الأهالي إلى بيروت وغيرها من المدن، فقام بمساعدة بعض الأهالي، سواء بتأمين المسكن أو بتلبية الاحتياجات المطلوبة، وفقاً لكلّ عائلة وحجمها وظروفها، وعاونه في ذلك شخص آخر، ممّا ساهم في توسّع النشاط، وفق ما يروي في حديثٍ خاص لـ”النهار”.
ويقول: “مع ازدياد عدد الأهالي الذين يحتاجون إلى مساعدات، كنا مضطرين إلى وضع هوية لهذه المبادرة، لذلك أطلقنا عليها اسم مبادرة “خيط من الأمل”، ذات طابع إنساني بحت”، مضيفاً: “ومع الوقت، زاد عدد المتطوّعين مع كثرة الاحتياجات”.
ومنذ بداية الحرب وحتى توسعها، كان التوزيع، بحسب شامي، للنازحين في العاصمة بيروت وضواحيها وصولاً إلى صيدا. ويتم تقديم حصص غذائية وموادّ تنظيف، بالإضافة إلى برادات وغسالات وقوارير غاز، فضلاً عن مفارش وغيرها من المستلزمات الأساسية، مثل الأدوية عند توفّر التمويل.
إلى ذلك، يشير مؤسس المبادرة إلى أن “تلبية احتياجات الناس ما زالت مستمرة، لا سيما مع وجود نازحين لم يعودوا إلى بيوتهم، وآخرين عادوا ولكن ظروفهم صعبة”، قائلاً: “نحاول تأمين المساعدات قدر المستطاع، ونتواصل مع العائلات وفقاً للبيانات التي جمعناها”.
“مصدر ثقة”
يؤكد شامي أن “طريقة التمويل لم تتغيّر قبل الحرب وبعدها، وكان التبرّع متواضعاً في لبنان، لأن الناس كانت تساعد عائلاتها بالدرجة الأولى. وكنا نعتمد على أصدقائنا وأقاربنا في الخارج الذين يتلقّون مساعدات ويتمّ تحويلها إلى المبادرة”.
ويُعدد في حديثه لـ”النهار” أنواع المتبرّعين، مثل المتبرع العينيّ، الذي يقدم بعض الحاجيات من أدوية أو ملابس، إضافة إلى الجمعيات التي تقدّم لنا -على سبيل المثال- “مستلزمات نسائية” لتوزيعها، لكون المبادرة أصبحت “مصدر ثقة”، كما يشير إلى “التشبيك” مع جمعيات ومبادرات أخرى؛ وبعض الأشخاص قدّم مساعدات لوجستية كآلية النقل، وآخرون قدّموا مكاناً لاستقبال التبرعات.
ويُوضح شامي بأن “المبادرة مستمرّة، لكن الوضع أصبح أصعب الآن، لأنّ البعض اعتبر أن الحرب انتهت، لكنها في الحقيقة ولّدت معاناة ولم تزل مستمرّة، مع خسارة الأهالي بيوتهم ومصادر رزقهم”، قائلاً: “مصدر تمويلنا لا يعلم أن الناس ما زالوا بحاجة إلى مساعدات، لا سيما مع اقتراب شهر رمضان”.
وفي سؤال عن تحويل المبادرة إلى جمعية، يقول: “أطلقنا اسم “خيط من الأمل” عليها بعدما أضفنا هوية وكياناً للمبادرة، بعد أن سأل الناس عنها”، مضيفاً: “واليوم، نحن مضطرون لتأسيسها كجمعية لإضفاء طابع قانوني عليها، وذلك بسبب المشاريع التي نعمل عليها، ولرغبتنا في الاستمرار بدعم المواطنين الذين تضرّروا من الحرب حتى نتأكّد من عدم وجود أيّ عائلة محتاجة”.
“طموح وإرادة”
طلعت حرب (فلسطيني الجنسية) متطوّع في مبادرة “خيط من الأمل”، يؤكّد في حديث لـ”النهار” أنه تطوع فيها منذ اللحظات الأولى لانطلاقتها.
وكان الدافع الأول له هو نزوحه خلال الحرب من مدينة صور جنوبي لبنان إلى منطقة الكورة شمالي البلاد. حينها، شاهد أعداداً كبيرة من النازحين الذين كانوا بحاجة ماسّة إلى المساعدة لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وفق ما يقول ، ويُشدد حرب على أن “الدافع الأخويّ والإنساني والتضامني كان من الأمور الأساسية التي جعلته يتطوع في هذه المبادرة”.
“المقاومة والصمود”
لا يختلف السبب الذي دفع سمايا جابر للمبادرة إلى مساعدة النازحين عن دافع زميلها طلعت كثيراً. فابنة الجنوب، التي نزحت من ضاحية بيروت الجنوبية مع عائلتها، خرجت من منزلها بقطعتي ثياب فقط على أمل العودة باكراً إلى الديار، وفقاً لما تؤكده في حديثٍ لـ”النهار”.
وترى أن مبادرة “خيط من الأمل” هي أحد “عناوين المقاومة والصمود في وجه العدوان”، قائلةً: “في حرب دموية مثل تلك التي شهدناها، لم يكن بإمكاننا إلا أن نكون جزءاً من المشهد، عبر مساعدة النازحين، في فعل نابع من مسؤوليتنا الوطنية والإنسانية”.
المصدر: النهار