ما الذي يبقى من المجموعة الخماسية بعد زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان لبيروت التي لم تلمس منها الكتل بعد أنها ستولد عناصر إيجابية تمهّد لانتخاب رئيس الجمهورية.
صحيح أن هذا الاستحقاق الدستوري يدخل في صلب الواجبات عند النواب لكن الوقائع تثبت أن التوازنات الخارجية وما تخلفه في البلد والمنطقة هي التي كانت وما زالت تأتي بالشخصية وفق مناخات الظروف القائمة وتؤدي حصيلتها الى وصولها الى الرئاسة من أيام الرئيس بشارة الخوري الى الرئيس ميشال عون. ولا يمكن استبعاد ما يدور من حرب في غزة والجنوب عن المشهد الرئاسي ولو خرج “حزب الله” وردّد أنه لا يعمل على استثمار دخوله في هذه “المساندة للفلسطينيين” ضد إسرائيل في انتخابات الرئاسة. ولذلك ستُنتظر خلاصة جولات القتال الساخنة للبناء على نتائجها وإسقاطها على ملف الرئاسة. وتبيّن أن “الخماسية” تمارس دوراً تسهيلياً ولا يمكنها فرض رئيس. وتظهر خريطة المجلس وتوزع نوابه أن أيّ فريق من الكتل الكبرى يقدر على فرط أي جلسة وتطيير نصاب الثلثين واستعمال الفيتو لكنه لا يستطيع في الوقت نفسه انتخاب من يريد أو من يتلاقى مع خياراته.
ومن هنا يُنتظر حسم موازين القوى في المنطقة ومعطياتها لأنه إذا حقق بنيامين نتنياهو ما يريد فسيكون لهذا الأمر تأثيره على لبنان أو العكس، إذا ثبتت خسارة الأخير ومغادرته الحياة السياسية في تل أبيب. ويمكن للحرب الأخيرة المفتوحة وإن لم تصبح شاملة أن تخرج من دون منتصر مطلق حيث سيكون لكل هذه الترتيبات تأثير على رئاسة الجمهورية. ومن غير المستغرب هنا أن يقدم “محور المقاومة” على استغلال كل أوراقه في الاستحقاق الرئاسي والتمسك بمرشحه. ويدعو وزير ماروني سابق كل الغيارى على السيادة اللبنانية وفلسفتها الى التمهّل قليلاً وإدراك أن لعبة انتخابات الرئاسة لن تكون لبنانية مئة في المئة بل هي مرهونة بنسبة كبيرة بالموازين التي ستنتج عن الظروف الأخيرة في المنطقة بدءاً من غزة، مع التوقف عند الرئيس القادر على التحدث مع الشرق والغرب. وإن كان المهم انتخاب الرئيس فإن الأهم كيف سيقود بلداً مشلولاً من دون مساعدات مالية وتطبيق الإصلاحات التي ينادي بها المجتمع الدولي.
وأصبح من الواضح أن سفراء”الخماسية”، فضلاً عن لودريان، لم يعودوا في حاجة الى القيام بجولات استكشافية والغوص في أغوار الكتل النيابية التي قالت كلمتها بعدما عبّر كل فريق عن رؤيته للانتخابات. ولا يظهر أن الموفد الفرنسي سيبلور مخرجاً يؤدّي الى الانتخابات وأقله في هذا التوقيت غير المشجع لإجراء الانتخابات. وتؤدّي كل هذه المعطيات السلبية الى دخول “الخماسية” في إجازة مفتوحة ولو من دون الإعلان رسمياً أن دورها قد انتهى، لكن أكثر من جهة لبنانية وصلت الى خلاصة أن السفراء الخمسة في بيروت لم يعودوا في حاجة الى القيام بأكثر من الدور الذي أدّوه. ولمس اللبنانيون أن أعضاء “الخماسية” ليسوا على وجهة واحدة وإن حاولوا الظهور بأنهم يشكلون فريقاً واحداً. وعند نضوج الأمور وتبيان حقيقة ما ستنتهي إليه الأحداث في المنطقة يمكن لـ”الخماسية” التدخل في وساطات تسهيلية قد تؤدي الى طاولة حوار على غرار “مؤتمر الدوحة” رغم اعتراضات كثيرين على هذا النمط الذي يسبق عملية انتخاب طبيعية.
وإن كان الأعضاء يهتمون بانتخابات لبنان لكن لكل دولة في المجموعة سياستها وانشغالاتها مع التوقف عند أن أميركا ستنهمك إدارتها أكثر كلما اقترب موعد انتخاباتها الرئاسية. ولا يبدو أن فرنسا تقدر على اجتراح أيّ مخرج بعد كل محاولاتها، من تبنّيها المرشح سليمان فرنجية ثم دعوتها الى السير بخيار ثالث حيث لم تقدر على إقناع أكثر الأفرقاء بخياراتها مع ملاحظة أن جهات مسيحية عدة ولا سيما المارونية منها أخذت تتعاطى بحذر مع باريس في مشهد لم يكن ظاهراً على هذا النحو في سنوات سابقة.
وتبقى السعودية على هدوئها المعهود في مقاربتها استحقاقاً من هذا النوع مع التوقف عند انفتاحها على الرئيس بشار الأسد في خطوة ليست محلّ ترحيب عند جمهور لا بأس به من أهل السنة في لبنان. وتواصل المملكة تطوير قنوات علاقاتها مع إيران صاحبة التأثير أيضاً في لبنان.
وتستمر قطر في هذا الوقت بانفتاحها على مختلف الأفرقاء ومكّنتها ديبلوماسيتها من التواصل مع كل الأفرقاء وهي تقول لزوار الدوحة إنها تساعد على انتخاب رئيس من دون أن تزكّي مرشحاً على آخر.
ولا تستطيع مصر الغارقة في مشكلات اقتصادية وأمنية وتهديد رفح لأمنها القومي أن تحدث خرقاً بدورها وهي الأضعف في ” الخماسية”.
لكل هذه الأسباب في الداخل والخارج لن يشاهد اللبنانيون رئيساً، أقله في المدى القريب.