أخبار عاجلة

الأسعار ترتفع رغم الدولرة وثبات الليرة

كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:

لم تكبح دولرة الاقتصاد اللبناني التحرّك التصاعدي لمؤشّر أسعار السلع الاستهلاكية أو التضخّم خلال العام 2023. جلّ ما فعلته دولرة السوبرماركات منذ شهر أيار أنها فرملت الوثبات الكبيرة والسريعة التي سجّلتها في الأشهر الثلاثة الأولى، ووضعت حدّاً لجشع التجار بتحقيق أرباح طائلة من جرّاء انهيار الليرة أمام الدولار. ورغم إيجابية تلك الخطوة، كان العام 2023 سبّاقاً في نسبة ارتفاع التضخّم عن الأعوام السابقة مسجّلاً زيادة بنسبة 221.3% عن 2022. ماذا عن العام 2024، هل تابعت أسعار السلع الاستهلاكية ارتفاعها؟

في السنوات الخمس الماضية فتحت الأزمة الاقتصادية التي عصفت بقوّة بالاقتصاد اللبناني “حنفية التضخّم” مصحوبة بانهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار بنسبة نحو 98%. إذ بلغ معدّل التضخّم في العام 2020، استناداً إلى مؤشّر أسعار الاستهلاك الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي، 85%. وتابع مساره الارتفاعي الصاروخي إلى 155% في سنة 2021 ثم 171% في العام التالي أي 2022 ، وصولاً إلى الرقم الأعلى في العام 2023 وهو 221%. ويعود السبب بشكل أساس الى الانكماش الاقتصادي، وتراجع القدرة الشرائية نتيجة تدهور العملة الوطنية من 1500 ليرة لبنانية إلى 140 ألف ليرة في آذار 2023 .

بعيد ذلك الشهر وتحديداً في أيار 2023، دولرت وزارة الاقتصاد سوق الاستهلاك المحلي وتحديداً السلع في السوبرماركات، وشيئاً فشيئاً تدخّل مصرف لبنان ليضع حدّاً لانهيار العملة الوطنية فانخفض سعر الصرف إلى 90 ألف ليرة للدولار الواحد في آذار قبل أن يستقر في ما بعد على 89500 ليرة. بعد تلك الفترة تضاءلت نسبة ارتفاع التضخّم الشهرية، والتي تراوحت بين 25 و 33% في الأشهر الثلاثة الأولى من العام.

تلك المشهدية التضخمية لم تتوقّف في العام 2024 بشكل نهائي ولكنها أصبحت محدودة مواكبة للتضخّم العالمي والحروب المندلعة في المنطقة والتي تورّط بها لبنان. ونتيجة عدم إحداث أية صدمة اقتصادية إيجابية في البلاد لناحية وضع خطة إصلاحية من قبل الحكومة، وعودة عجلة الاقتصاد إلى الدوران بشكل طبيعي… وإغراق “حزب الله” لبنان في حرب المساندة، وتوسّع رقعتها في نهاية أيلول المنصرم.

في عملية حسابية أجرتها “نداء الوطن” للأشهر التسعة الأولى من العام الجاري (قبل بدء تداعيات الحرب الشاملة)، استناداً إلى أرقام إدارة الإحصاء المركزي الذي يصدر تقارير دورية، تبيّن أن الرقم القياسي لأسعار الاستهلاك ارتفع ولكن بنسب ضئيلة إذ سجّل زيادة منذ بداية العام ولغاية أيلول بمعدّل 7,46% في حين كان معدّل الزيادة في 2023 للفترة نفسها منذ كانون الثاني إلى أيلول 2023 بنسبة 124%.

ويعتبر الخبراء الاقتصاديون معدّل الـ7,46% للتضخّم نسبة محدودة ومنطقية، بما يدلّ على أن الدولرة وتثبيت سعر الصرف وضعا حدّاً للتضخم في لبنان. لكن ما هي الأسباب التي تكون عادة وراء التضخّم؟

أسباب التضخّم في لبنان

أسباب عدّة تبرز وراء نسب التضخّم، وفقاً للخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أنيس بو دياب، من أهمها:

أولاً، التضخّم المستورد والذي يأتي نتيجة تذبذب أسعار السلع على صعيد عالمي في المواد الأساسية كالذرة والزيوت والنفط وغيرها، ما انعكس على أسعار السلة الغذائية في لبنان.

– مجمل السلّة الغذائية في لبنان وتحديداً نسبة 80% منها كانت قبل الأزمة مستوردة، ثم تراجعت تدريجياً نحو 70% ولكننا لا نزال نستورد الجزء الأكبر من السلّة الغذائية من الخارج.

– اندلاع الحرب بين أوكرانيا وروسيا في العام 2022 باعتبار أن أوكرانيا كانت لها حصة بنسبة 40% من السلّة الغذائية العالمية، وهي موجودة في المناطق، مثل الذرة والقمح والنفط والغاز وتأثيراتها على السوق العالمية، وبالتالي هذا الأمر انعكس على جزء من التضخّم.

– التأثير الأكبر على التضخّم في لبنان كان الحرب التي بدأت في تشرين الأول 2023 بين غزة وإسرائيل وحرب المساندة في لبنان. فبات لبنان منطقة خطرة وازدادت مخاطر التجارة الدولية بين الدول وارتفعت الأقساط التأمينية لمن رغب في التأمين ضد الحرب، ما انعكس إلى حدّ ما على أسعار السلع.

وترافقت مع الحرب بين غزة وإسرائيل ولبنان، حرب اندلعت من اليمن بما هدّد التجارة الدولية التي تعبر إلى المنطقة من البحر الأحمر، واضطرت إلى سلوك باب المندب واعتماد مسار أطول، فزادت كلفة الشحن والنقل وارتفعت الأسعار.

إلى ذلك، هناك المخاطر المتعاظمة في منطقة الشرق الأوسط جراء الحروب والتضخم العالمي.

التضخّم الداخلي

على صعيد التضخّم الداخلي، يعدّد بو دياب المعطيات التالية:

– تحويل الضرائب والرسوم التي كانت تُسدّد على سعر صرف بقيمة 1500 ليرة لسعر الدولار في شباط 2022 إلى 15 ألف ليرة، ثم مع بداية 2023 باتت تدفع الضرائب بقيمة 40 ألف ليرة أو وفق سعر الصرف المحدد على “منصة صيرفة” بقيمة 84500 ليرة.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنه منذ موازنة 2024 أصبحت كل الرسوم والضرائب والـ TVA تسدّد على سعر الصرف المعتمد وهو 89500 ليرة، ما أدّى أيضاً إلى ارتفاع أسعار بعض السلع.

– جشع التجار واحتكار سلع أساسية بما يؤدّي إلى ارتفاع كبير في مستوى الأسعار وهذا العامل يعتبر الأخطر، في ظلّ غياب دور الدولة ومؤسسات الرقابة منها وزارة الاقتصاد.

– فضلاً عن أنه في أواسط العام 2023 ومع بداية العام 2024، ارتفعت الأقساط المدرسية الخاصة والجامعات، وعادت إلى ما كانت عليه قبل العام 2019، وهذا يعتبر جزءاً أساسياً من تكوين الاستهلاك المحلي وبالتالي ينعكس بشكل أو بآخر على التضخّم.

وبالنسبة إلى تأثير ارتفاع بدلات الإيجار على مؤشّر السلّة الاستهلاكية، فلن يكون كبيراً، لأن النزوح كان محدوداً، ومع ارتفاعه اليوم بسبب الحرب سيساهم في التضخّم ولكن بنسبة بسيطة، ويقول بو دياب إن الإيجارات تؤثر بنسبة 15 إلى 20% في التضخّم.

وهنا نشير إلى أنه يتمّ تحديد مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان من خلال سلّة من السلع والخدمات. ويُحسب سعر السلّة كمتوسط مرجّح لأسعار التجزئة للعناصر المكوّنة، فيتمّ إصدار مؤشر أسعار المستهلك على أساس شهري، وسنوي أيضاً من قبل إدارة الإحصاء المركزي التابع لمجلس الوزراء، ويتضمّن مجموعة عناصر يستند إليها لتحديد نسب التضخّم الشهرية، وأبرز تلك العناصر المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية، المسكن، الماء، الغاز، الكهرباء والمحروقات، الإيجار، النقل، الصحة، التعليم والاتصالات.