كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:
استوقف التصعيد الإسرائيلي الكبير براً وجواً جميع الأوساط المعنية والمتابعة للمساعي الجارية إلى وقف العدوان الاسرائيلي المتمادي على لبنان، بموجب المقترح الأميركي المطروح لهذه الغاية، والذي أعدّ لبنان ردّه على مضمونه الذي سيتسلّمه الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين غداً لدى زيارته لبيروت، التي سينتقل منها إلى تل ابيب. ودلّ هذا التصعيد إلى أنّ إسرائيل تريد التملّص من الاقتراح الاميركي لوقف الحرب، مثلما كانت تملّصت من المبادرة الاميركية ـ الغربية ـ العربية المشابهة له، والتي أُعلنت في نيويورك على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في ايلول الماضي، بعد أن وافقت عليها.
وبدا من هذا التصعيد الإسرائيلي العنيف قبيل وصول الموفد الاميركي الى بيروت، انّ اسرائيل تهدف الى أحد امرين: نسف المقترح الاميركي والاستمرار في الحرب حتى تحقيق أهدافها منها، او الضغط عسكرياً لتحقيق تقدّم في الميدان لفرض تنفيذ القرار الدولي 1701 وفق أقصى ما يمكن من شروطها، ولذلك عاودت أمس السعى لتحقيق تقدّم بري في المنطقة الحدودية، في موازاة تكثيف غاراتها الجوية على الضاحية الجنوبية لبيروت والمناطق الجنوبية والبقاع، وقد وسّعت دائرة هذا القصف لتشمل بيروت مجدداً، حيث أغار طيرانها على محلة راس النبع، مستهدفة اغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» الشهيد محمد عفيف، ومحلة مار الياس، حيث تردّد انّها اغتالت قيادياً في الحزب، ما دلّ إلى انّها استأنفت عمليات اغتيال قيادات «حزب الله» حيثما يتسنى لها.
الحزب ينعى عفيف
وقد نعى حزب الله في بيان اصدره ليل امس مسؤول العلاقات الاعلامية محمد عفيف النابلسي «قائدًا إعلاميًا كبيرًا وشهيدًا عظيمًا على طريق القدس ارتحل إلى جوار ربه مع خيرة من إخوانه المجاهدين في غارة صهيونية إجرامية عدوانية، بعد مسيرة مشرّفة في ساحات الجهاد والعمل الإعلامي المقاوم». وقال: «لقد التحق الحاج محمد عفيف، كما تمنى، برفاق دربه وبحبيب قلبه وأبيه الذي كان يحب أن يسميه بهذا الاسم، الشهيد الأسمى سماحة السيد حسن نصرالله. كان يستمدُ من حكمته قوة، ومن توجيهاته رؤية وبصيرة ونورًا. لقد كان مثال الأخ الوفي، والعضد القوي، وأمينًا على صوت المقاومة، وركنًا أساسيًا في مسيرة حزب الله الإعلامية والسياسية والجهادية. هو الذي لم ترهبه تهديدات العدو بالقتل، واجهها ببأسٍ شديد وبعبارته المشهورة: «لم يخفنا القصف فكيف تخيفنا التهديدات». أصر بشجاعته المعهودة على الحضور الإعلامي الجريء لمواجهة الآلة الإعلامية الإسرائيلية، ونقل صوت المقاومة وموقفها، ورسم معالم المعركة القائمة بكل وضوح من خلال إطلالاته الحية في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت. كان يرسم بقلمه النيّر ومواقفه الشجاعة أحرف المجد والانتصارات، ويدب الرعب في نفوس العدو، يخط بأوتار صوته عزف الموت لبيتهم الواهن. بندقية كلماته كانت تقتلهم، وصوته السيف كسر جبروتهم، كان ينقل ما يفعله الكربلائيون في الميدان، ويسطر ملاحمهم في الإعلام، فكان حقًا أسد ميدان الإعلام، وهو الذي صدح بصوتٍ عالٍ في أذان العدو وقلوبهم قائلاً: «المقاومة أمة، والأمة لا تموت».
إلى ذلك نقلت قناة «سكاي نيوز عربية» عن مصدر أمني إسرائيلي، أنّ المستهدف في عملية الاغتيال في شارع مار الياس هو «رئيس قسم العمليات في جبهة الجنوب في حزب الله». فيما أعلن مركز عمليات الطوارئ لتابع لوزارة الصحة، «أنّ غارة العدو الإسرائيلي على شارع مار الياس في بيروت أدّت في حصيلة محدثة إلى استشهاد شخصين وإصابة ثلاثة عشر آخرين بجروح».
خطة نتنياهو
وحذّرت مصادر سياسية مواكبة عبر «الجمهورية» من مغبة وقوع لبنان ضحية فخ إسرائيلي يحشره بين خيارين لا يمكنه قبول أي منهما، ما يوحي للمجتمع الدولي بأنّه هو الذي يتحمّل المسؤولية عن إهدار فرص التسوية.
وقالت هذه المصادر، إن «من الواضح أنّ خطة نتنياهو تقوم على مرتكزين عسكري وسياسي. ففيما ترفع مستوى ضغطها العسكري إلى الحدّ الأقصى بمحاولاتها التوغل براً في الجنوب، بهدف فرض وقائع جديدة على الأرض، وفيما تصعّد مستوى الاغتيالات والتدمير في الضاحية الجنوبية لبيروت والمناطق الأخرى، تمارس نهج التصلّب في المفاوضات وإملاء الشروط والمطالب التي تمسّ بكرامة لبنان وسيادته، بحيث يستحيل عليه تقبلها، ولو كانت أكلاف هذا الرفض وتداعياته ثقيلة جداً عسكرياً وسياسياً».
وتخشى هذه المصادر من «أن يجد لبنان نفسه وحيداً في المواجهة الحالية مع إسرائيل، أكثر فأكثر، مع أقتراب تولّي دونالد ترامب لزمام الأمور في واشنطن. ولذلك، يبدو الخيار الأفضل للبنان أن يستعين بما يتوافر له اليوم من وسطاء غربيين وعرب لإمرار تسوية الحدّ الأدنى من الخسائر، لأنّ المرحلة المقبلة قد تكون محكومة بخسائر أكبر بكثير».
إفلاس بنك الأهداف
وقالت اوساط سياسية لـ«الجمهورية»، انّ التصعيد الإسرائيلي العنيف ضدّ لبنان وصولاً الى اغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف ينطوي على الدلالات الآتية:
ـ الانتقال من التفاوض تحت النار إلى التفاوض تحت مزيد من النار، وبالتالي زيادة الضغط على الحزب والدولة لدفعهما الى القبول بمسودة اتفاق وقف إطلاق النار كما عُرضت عليهما.
ـ ترويع البيئة الشعبية المؤيّدة للمقاومة عبر التدمير الواسع لممتلكاتها وارتكاب المجازر في حق اهلها، بغية تحويلها عامل ضغط على «حزب الله».
ـ محاولة تأليب البيئات الأخرى على «حزب الله» والنازحين من خلال تعمّد ان يلامس القصف مناطق مسيحية في محلتي الحدث وعين الرمانة.
ـ إعادة إدراج بيروت ضمن دائرة الاستهداف خلافاً للضمانات الأميركية التي كانت قد أُعطيت للرئيس نجيب ميقاتي في السابق حول عدم قصف العاصمة.
ـ انتهاك متجدّد وصارخ لكل القوانين والأعراف الدولية التي تمنح الحصانة للاعلاميين، كما هو الأمر بالنسبة إلى استهداف الشهيد عفيف، الذي لا يشكّل اغتياله أي انجاز لقيادة الاحتلال، كونه كان مكشوفاً ويتحرّك علانية ويعقد المؤتمرات الصحافية ويحمل هاتفه.
ـ الانتقام من ثبات المقاومة في الميدان البري، واستمرارها في قصف عمق الكيان الإسرائيلي بالصواريخ والمسيّرات، مع ما يعنيه ذلك من إخفاق العدوان في تحقيق مبتغاه.
ـ إفلاس بنك الأهداف لدى العدو، بحيث انتقل إلى استهداف المستوى غير العسكري في «حزب الله» وراح يكثّف إعتداءاته على الأماكن المدنية، في إشارة واضحة الى انّه بات يبحث عن إنجازات صورية ليس إلّا.
موعد ردّ لبنان
وفي الوقت الذي تكتمت فيه المصادر الرسمية المعنية بالمفاوضات مع الجانب الأميركي حول موعد تسليم ردّ لبنان على مشروع التسوية الذي تسلّمه رئيس مجلس النواب نبيه بري الخميس الماضي من السفيرة الاميركية ليزا جونسون،
نقلت قناة «الحرّة» الاميركية عن مصادر سياسية، أنّ الردّ اللبناني على مسودة المقترح الذي طرحته الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار بما يحتويه من النقاط الـ 13 التي أُشير اليها بطريقة غير رسمية، سيكون «خلال الـ 48 ساعة المقبلة».
وقالت هذه المصادر، انّ المسودة «لا تتضمن أي نوع من حرّية الحركة للجيش الإسرائيلي في لبنان، أو نشر قوات أطلسية». وهي التي شملت «بنداً حول اللجنة التي ستشرف على تنفيذ القرار 1701، والدول التي ستشارك في هذه اللجنة، مع تحفظ لبنان الرسمي عن انضمام بريطانيا وألمانيا إليها».
المواجهة الديبلوماسية
وفي هذه الاجواء، قالت مصادر ديبلوماسية لبنانية لـ«الجمهورية»، انّ وزارة الخارجية ستشهد هذا الأسبوع مجموعة من اللقاءات المكثفة مع سفراء الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، لمواكبة التحركات الدولية الهادفة الى وقف العدوان الاسرائيلي على لبنان. ولفتت هذه المصادر الى انّ الخطوط مفتوحة بين بيروت ونيويورك لمواكبة نتائج الدعاوى التي رفعها لبنان امام مجلس الامن الدولي رفضاً منه للاعتداءات المتواصلة على الأحياء السكنية، وتلك التي استهدفت مراكز طبية وانسانية ومراكز للجيش اللبناني.
منتدى روما
على صعيد آخر، علمت «الجمهورية» انّ وزارة الخارجية ستنجز هذا الأسبوع ملفها إلى الاجتماعات المقرّرة في نهاية الأسبوع الجاري في روما من ضمن فعاليات «منتدى روما المتوسطي» الذي ستشارك فيه دول المتوسط، والذي يتناول جدول أعماله التطورات على الساحتين اللبنانية والفلسطينية والجهود المبذولة على مستوى الاتحاد الاوروبي من اجل لجم التوتر والتوصل الى وقف شامل وثابت لاطلاق النار.
وعلى جدول أعمال المنتدى سلسلة اقتراحات بالغة الأهمية، من بينها اقتراح بفرض عقوبات على اسرائيل تجبرها على وقف استخدام القوة المفرطة وتحييد المدنيين والأحياء السكنية والفرق الطبية.
ميقاتي
وقد تعرّض الجيش اللبناني لاعتداء اسرائيلي جديد طاول مركزه في بلدة الماري في منطقة حاصبيا، ما ادّى الى استشهاد عسكريين اثنين واصابة ثلاثة آخرين.
وقال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي: «بسقوط شهيدين جديدين للجيش اليوم نتيجة استهداف العدو الإسرائيلي مركزاً للجيش مباشرة في بلدة الماري-حاصبيا، يرتفع عدد شهداء الجيش منذ بدء العدوان الاسرائيلي إلى 36 شهيدا». وأضاف: «إنّ شهداء الجيش الذين قدّموا ارواحهم دفاعاً عن ارض الوطن هم أمانة في ضمير كل لبناني مخلص، وعلينا جميعاً التعاون لكي لا تذهب تضحياتهم سدى، من خلال العمل اولاً على وقف العدوان الاسرائيلي على لبنان، وتمكين الجيش من القيام بكل المهمات المطلوبة منه، لبسط سلطة الدولة وحدها على كل الاراضي اللبنانية».
واكّد ميقاتي «أنّ الحكومة، التي لا تدخر اي جهد لدعم الجيش وتعزيز قدراته، ماضية في العمل مع كل اصدقاء لبنان والدول الفاعلة والمقررة ومع الشرعية الدولية لتنفيذ القرار الدولي الرقم 1701، وبسط سلطة الجيش على كل الاراضي اللبنانية. وكلنا أمل في أن تسفر الاتصالات الجارية عن وقف لإطلاق النار تمهيداً للانتقال إلى المرحلة الثانية المرتبطة بتنفيذ القرار 1701».
برج الملوك
وفي خطوة شكّلت تحدّياً للتهديدات الاسرائيلية التي أطلقها الناطق باسم الجيش الاسرائيلي للمرّة الثانية في خلال الايام الاخيرة، تجمّع أهالي بلدة برج الملوك في قضاء مرجعيون احتجاجاً على طلبه من سكان البلدة إخلائها للمرّة الثانية على التوالي، مؤكدين أنّهم أناس عزّل ومسالمون، والبلدة خالية تماماً من أي سلاح أو مسلحين، ولا يوجد فيها غير أهالي البلدة وعائلاتهم من رجال ونساء واولاد، مؤكّدين أنّهم دعاة سلام ومتمسكون بصمودهم في أرضهم إلى جانب الجيش اللبناني المتواجد في مركزه في البلدة، متمنين على أبناء البلدة الذين نزحوا قسرياً العودة اليها.