أخبار عاجلة

هل وصل هوكشتاين إلى طريق مسدود؟

تستطيع إسرائيل أن تقصف وتقتل وتدّمر وتهجّر “قدّ ما بدها”. ولكنها لن تستطيع بالتأكيد أن تنتزع من لبنان أي اتفاق لا يتطابق مع روحية القرار 1701 ومع نصّه الكامل من دون زيادة أو نقصان. فهذا القرار الدولي كلٌ متكامل. لا يمكن الاجتزاء منه أو تطبيق ما تراه إسرائيل مناسبًا لوضعيتها، خصوصًا أنها تعتقد أن في إمكانها فرض شروطها التفاوضية متى يحين وقت الجدّ بقوة النار والميدان. وهذا بالتأكيد ما يعتقده في المقابل “حزب الله”، الذي لا يزال قادرًا على قصف العمق الإسرائيلي على رغم علمه المسبق أن القصف الإسرائيلي سيطاول حتى النازحين في أماكن لجوئهم ولو كانوا في “طير الغيم”، وذلك بحجّة أن بينهم عناصر حزبية.

ومع كل صلية من الصواريخ توجهها “المقاومة الإسلامية” في اتجاه مواقع عسكرية في العمق الإسرائيلي، ومع كل صاروخ يسقط على الضاحية الجنوبية لبيروت أو في القرى الجنوبية والبقاعية تزداد معاناة اللبنانيين، إن بالمباشر أو من حيث النتائج غير المباشرة، والتي ستظهر مفاعيلها بعد أن تسكت المدافع. ومع كل يوم يمرّ تتعاظم الكلفة وتتراكم، وهي تقدّر بالمليارات، التي لا يملك منها لبنان دولارًا واحدًا. وعندما أشار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في كلمته في قمة الرياض إلى أن لبنان في حاجة إلى ثمانية مليار و500 مليون دولار كان يقصد الحاجة فقط إلى إعادة اعمار ما هدّمته إسرائيل. وهذه الأرقام متحرّكة صعودًا مع كل يوم يمرّ، ومع كل صاروخ يسقط على رؤوس اللبنانيين. ولكن أرقام ما يخسره لبنان بطريقة غير مباشرة هي أكبر من ذلك بكثير، خصوصًا إذا ما أُخذت حركة الدورة الاقتصادية في الاعتبار، ومدى تأثّرها السلبي بمجريات الحرب، خصوصًا أن ما لدى اللبنانيين من قدرة احتمال وصمود بدأت تنوص شيئًا فشيئًا.

وعلى رغم كل هذه الانعكاسات السلبية على ما ينتظر اللبنانيين بعد التوصّل إلى وقف شامل للنار من استحقاقات اقتصادية فإن التفاؤل بإمكانية مساعدة لبنان في مجالي إعادة الاعمار وتحفيز الاستثمارات الداخلية والخارجية لا يزال يراوح بين الحذر والأمل، وهما عنصرا المفاجآت المنتظرة، خصوصًا إذا ما تُرجمت الوعود التي أغدقت في قمة الرياض إلى أفعال على أرض الواقع.

ولكن هذا التفاؤل العملاني الحذر يقابله تفاؤل آخر، ولكن نسبة الحذر فيه عالية. والمقصود بهذا التفاؤل ما يتمّ التداول به عن إمكانية الوصول إلى صيغة لتسوية قد يحملها معه آموس هوكشتاين في زيارته الأخيرة للمنطقة قبل أن يُنقل ملف التفاوض إلى يد شخصية أميركية أخرى بعد تاريخ 20 كانون الثاني المقبل، على رغم موافقة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب على ضرورة أن ينهي الموفد الرئاسي ما كان قد بدأ به.

وما يمكن أن يحمله معه هوكشتاين هذه المرّة، في حال صدقت الأنباء عن قرب وصوله إلى المنطقة، هو مغاير لما كان يحمله معه في المرّات السابقة، خصوصًا في ضوء ما كانت إسرائيل تحاول فرضه بالنار. ويقابل هذه المحاولات إصرار لبناني على تطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته، وبكل ما يستند إليه من قرارات دولية سابقة، باعتبار أن كل قرار يكمّل الآخر، فيصبح القرار 1701 كلًا متكاملًا لا يمكن لأحد الاجتزاء منه أو تجزئته بما يتناسب مع مصالحه.

فما صرّح به هوكشتاين من أن “هناك فرصة” لتأمين وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله” قريباً يظهر مدى الجدّية في الرهان على إمكانية التوصل إلى مثل هذا الاتفاق بعد أن يرد إليه ردّ لبنان الرسمي حيال ما يُطرح من أفكار، مع علمه المسبق بأن الموقف اللبناني لن يتغيّر، وملخصّه أن لا حلّ متاحًا في ظل هذه الظروف المعقدة سوى التزام إسرائيل بتطبيق القرار 1701، الذي يجب أن يكون الحل الأمثل بعد وقف النار.

وفي المعلومات أن هوكشتاين سيتواصل مع الرئيس نبيه بري للاطلاع على موقف “حزب الله” مما يُطرح من أفكار وخلاصات، وكذلك سيتواصل مع الجانب الإسرائيلي لمعرفة مدى إمكانية التزام تل أبيب بما يتناسب مع الحلول الأميركية المطروحة. فإذا لمس حدًّا أدنى من التجاوب من كلا الطرفين “بيحمل حالو” ويأتي مسرعًا إلى المنطقة. أمّا إذا كان التجاوب سلبيًا فإنه سيقول حتمًا “اللهم اني بلغت وسعيت”.

وعندما يقتنع الجميع، وبالأخص الجانب الإسرائيلي، بأن لا حلّ آخر لوقف النار سوى عن طريق تطبيق الـ 1701، فإن الأنظار تتجه إلى المؤسسة العسكرية الأم، وما يمكن أن يُسند إليها وحدها مهام إعادة الاستقرار إلى المنطقة الواقعة جنوب الليطاني بالتنسيق مع قوات “اليونيفيل”، بعد تعزيز صلاحياتهما في ضوء تجربة ما بعد حرب تموز، وذلك بالتزامن مع حركة إعادة الاعمار مع بدء تدّفق المساعدات العينية من الدول المانحة.

المصدر: لبنان 24