هناك عدد من المتحمسين لتولي منصب رئاسة الجمهورية لكن طريق الصعود ليس سهلاً أمامهم، والتفكير بتولي المنصب أمر يختلف تماماً عن واقع الجلوس على كرسي الرئاسة.
قبل تداول الصور التي نشرت عن مقتل رئيس النظام الإيراني إبراهيم رئيسي تأملت صورتين قديمتين لساعات طويلة، الأولى صورة الراحل رئيس الوزراء الإيراني الأسبق أمير عباس هويدا الذي استهدف بالرصاص في الرأس والصدر، وكانت جميع جوارحه تشهد بأنه كان بريئاً، والصورة الثانية تعود لجثمان رئيس السلطة القضائيةمحمد بهشتي الذي قتل في انفجار مقر حزب “جمهوري إسلامي” في طهران، الأولى وصلتني أثناء وجودي في الوطن والثانية خلال انتقالي إلى الخارج.
وكان هويدا قتل على يد هادي غفاري وعصابة خلخالي إذ استهدفوه بوابل من الرصاص، أما بهشتي فقتل في انفجار لم تكشف تفاصيله بعد، وكان هويدا رجل دولة معروفاً في عهد الشاه وينحدر من عائلة لها إرث دبلوماسي ثقيل، أما الثاني فكان رجل دين تولى رئاسة المركز الإسلامي في هامبورغ بتزكية من رئيس الوزراء الإيراني أسد الله علم والمهندس شريف إمامي، وهما من الرجال المهمين في عهد الشاه.
وكان بهشتي بعد العودة من ألمانيا يعمل مستشاراً للراحلة وزيرة التعليم في عهد الشاه فرخ رو بارسا، وعمل مع محمد جواد باهنر ومفتح ومطهري في تأليف الكتب الدينية للمرحلة الابتدائية والثانوية والمعاهد الفنية، لكنه لم يعمل أي شيء لتلك السيدة الحرة التي تربى مئات آلاف الطلبة على يدها معلمة ووزيرة، ولم يخط أية خطوة وتركها في مخالب خلخالي وحبل الإعدام.
كان هويدا مثالاً للبناء وتولى الإشراف على مشاريع كثيرة شملت جامعات وطرقاً وسدوداً، وكان ثمن القلم الجاف في عهده خمس ريالات إيرانية، (0.00012 دولار) وبقي ثابتاً على الثمن نفسه أثناء تركه منصبه.
لكن بهشتي كان مثالاً للخداع والرياء، ومنذ وصوله إلى منصب المدعي العام في البلاد كان يتعامل مثل الفرعون، وعندما أبدى اهتماماً في السلطة قتل ولم يبق له رأس على الجسم.
أما الآن رأينا جثمانا محترقاً لرئيسي وساحة شاغرة بعد أحلامه الكبيرة بأن يصبح مقرباً من مجتبى خامنئي، وأردد مع نفسي: هل كان رئيسي يعلم أنه بعد لقائه الهام علييف لن يكمل يومه وسيصبح شهيداً؟
كان حسين أمير عبداللهيان جندياً تحالف مع قاسم سليماني وأصبح ساعي بريد لديه ينقل الدولارات لتوزيعها في أنحاء العالم، وكان وصوله إلى منصب مساعد وزير الخارجية وثم وزير الخارجية ثمن خدماته لقاسم سليماني الذي تحول هو الآخر إلى رماد في مطار بغداد خلال وقت سابق.
في تلك الحادثة قتل أيضاً محافظ أذربيجان الغربية وممثل ولي الفقيه محمد علي آل هاشم وثلاثة من رجال الأمن وطاقم الطائرة وأحد رجال حماية إبراهيم رئيسي، وبدأ العالم من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه لا يصدق الروايات المتناقضة التي حاول نظام الجهل والظلم والفساد بثها من خلال أبواقه الإعلامية، وخلال الأيام الماضية نشرت عشرات الروايات والإشاعات والتقارير السياسية، أحدها اتهم خامنئي بتعبيد الطريق أمام نجله مجتبى خامنئي ليتولى قيادة البلاد بعده، والآخر أعرب عن ثقته بأن رئيسي قتل على يد إسرائيل، والثالث طرح التدخل الأميركي، والآخر اتهم رئيس المجلس محمد باقر قاليباف بالتورط في مقتله.
بغض النظر عن سبب الحادثة فإننا شهدنا مقتل رجل كان له سجل أسود، وقد قضى في حادثة سقوط طائرة الهليكوبتر هو ووزير خارجيته وعدد من رجال النظام.
الموت مصير الجميع، ولم يعد في الوجود هويدا والشاه الراحل وخسرو داد ورحيمي وعاملي طهراني ونيكخواه وبختيار وقاسملو وشرفكندي، وكذلك الخميني ونجله أحمد الخميني وبازركان وإبراهيم يزدي وحسن علي منتظري وأكبر هاشمي رفسنجاني.
لكن لماذا ينسى بعضنا هذا المصير؟ أجزم أن إبراهيم رئيسي وحسين أمير عبد اللهيان لم يخطر ببالهما فكرة الموت لدى زيارتهما تبريز، وكذلك خامنئي لم يفكر بالموت، إنه يعمل للتمهيد لخلافة نجله وينسى أنه سيلاقي الموت يوماً ما
المصدر: عربية Independent