وطنية – وجه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب رسالة الجمعة، وجاء فيها:
“لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلْكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّۦنَ وَءَاتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِى ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَٰهَدُواْ ۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِى ٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ ۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ ۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ
صدق الله العلي العظيم
أيها الأخوة المؤمنون
لقد حدد الله سبحانه في هذه الآية المباركة الصادقين والمتقين، وهم حصرا الذين تتوفر فيهم الشروط التي قدم سبحانه ذكرها ،ومنها على المستوى الإيماني الذي يعبر به المؤمن عن سلامة الفكر ويحدد بداية الانطلاق في مسيرة حياته من نقطة اساسية صحيحة، وهي تحديد نظرته تجاه الكون والحياة والوجود والتعرف على موقعه منها وتحديد الوظيفة التي عليه القيام بها.
بناء على ذلك وهذه البداية للمؤمن، هي ما يعبر عنه الايمان بالله تعالى واليوم الآخر والملائكة ،وتنتهي بالايمان بالكتاب والنبيين. والثاني على المستوى العملي من البذل المالي حبا لله سبحانه وتعالى، وهي تأتي في المرحلة الثانية بعد المرحلة الاولى التي عبر عنها بالايمان بكل ما ذكر، لان العمل لوجه الله تعالى يستدعي الايمان به وباليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، وهو الثمرة العملية للايمان الذي على اساسه تحدد الوظيفة العملية للمؤمن في هذه الحياة.
فالايمان ليس مجرد فكرة تجريدية نظرية لا علاقة لها بالواقع العملي والحياة، أو تنحصر بممارسات عبادية طقوسية وتنتهي عند هذه الحدود ،وهي فكرة شيطانية ارادت إبعاد الدين عن شؤون الحياة ليتسنى لأصحابها التخلص من القيود التي يضعها الدين وتتحكم بتصرفات الإنسان الذي يريد التحرر منها لصالح اهوائه ونزعاته التي هي مصدر الانحراف والفساد.
والشرط الثالث هو التمتع بمواصفات أخلاقية، وهي ما تحدثت عنها الآية في جزئها الأخير وهو قوله تعالى :
“وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَٰهَدُواْ ۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِى ٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ ۗ”
وقد حصرها سبحانه في امرين: الأول الوفاء بالعهد، والثاني بالصبر
كماحدد فيها موارد الصبر في ثلاثة أمور: الاول الصبر في البأساء، الثاني الصبر في الضراء، الثالث الصبر حين البأس.
اما الوفاء بالعهد فهو من الفضائل الأخلاقية التي أكد عليها القرآن والأحاديث. وبحسب الأحاديث الإسلامية، فإن الوفاء بالعهد هو أصل الدين، وعلامة اليقين، وجوهر الأديان كلها. وقد مدح الله تعالى في القرآن نفسه بهذه الصفة، قال تعالى :
“واوفوا بعهدي اوفي بعهدكم وايايي فاتقون“
وفي الروايات من الصفات الخاصة التي يتمتع بها أئمة أهل البيت عليهم السلام.
والأمر بالوفاء بالعهد عام لا يختص بالمسلمين، بل وجوب الوفاء بالعهد حتى للكافرين.
واما الصبر في البأساء والضراء، فالبأساء: الشدة والفقر، والضراء: المرض والزمانة .
والمراد بهذا الايمان، الايمان التام الذي لا يتخلف عنه أثره، لا في القلب بعروض شك أو اضطراب أو اعتراض أو سخط في شيء مما يصيبه مما لا ترتضيه النفس، ولا في خلق ولا في عمل.
واجتماع هذه الشروط الايمان والعمل والاخلاق يخلص بهذه الشروط إلى الارتقاء إلى صفة الصادقين والمتقين. فالصادقون هم الذين استجمعوا هذه الشروط، والا فتحقق بعضها دون بعضها الآخر يفقد الشخص هذه الصفات. فالصادقون والمتقون هم فقط من تحصلوا على هذه الشروط معا.
لقد تقدم في الآية المباركة ان الصبر كشرط من الشروط له موارد ثلاثة: صبر في البأساء وصبر في الضراء وصبر حين البأس.
اما الصبر في البأساء، اي في الشدة بما هو جزء من شرط الصبر بموارده الثلاثة، يدل على العناية الإلهية المهمة التي اولاها بها للدور الذي يؤديه في حياة الإنسان، من تخفيف الآثار السيئة عليه والقدرة على التحمل واعطائه المناعة النفسية وعدم الانهيار أمام ما يواجهه المؤمن من صعوبات وشدائد، فهو من أهم الأمور التي يتسلح بها المؤمن في حياته بمواجهة اي ظرف من الظروف، مهما بلغت من الشدة، وتجعله ثابتا لا ينهار أمامها ويتمكن من مواجهتها والانتصار عليها او بلوغ الهدف والغاية التي ينشدها، اذا ما كانت صعبة وتحتاج إلى التضحية وخصوصا اذا ما كانت غاية شريفة كالدفاع عن الوطن والارض والسيادة والكرامة.
والكرامة أغلى الغايات واشرفها حين يريد العدو ان ينال منها. لذلك يُرخِصُ الإنسان الروح في سبيل الدفاع عنها ويتحمل لذلك الاهوال والشدائد، وهي تكون مهمة أبناء الوطن والشعب ان يدافعوا عن كرامتهم، اذا ما غزاهم العدو طمعا في أرضهم ومياههم وخيراتهم أو أراد اذلالهم واخضاعهم .
وللحروب مصائبها من فقد الأهل للاعزاء أو دمار البيوت وتلف الأرزاق أو ترك النار اضطرارا لحماية الأرواح مؤقتا، ريثما تنتهي الحرب، ويكتب الله النصر للمؤمنين فيتحمل المؤمنون الصعوبات والاذى من النزوح، خصوصا حين تقصّر الجهات المسؤولة عن القيام بواجباتها تجاه مواطنيها، كما هو حال بلدنا اليوم حيث تلقى على مجتمعنا مسؤولية الدفاع عنه، ويتلكأ الآخرون عن القيام بهذا الواجب بذرائع واهية، ويتحمل ابناؤنا واهلنا ثقل هذه المسؤولية وحدهم، ويضطر أهلنا واخواننا إلى النزوح عن ديارهم، بينما يقف ابناؤهم الشجعان الأوفياء على خطوط النار بكل إقدام يواجهون العدو ويذلونه ويمنعونه من تحقيق اهدافه الخبيثة ويسطرون أروع صور البطولة والفداء.
بهذا الايمان المكتمل وبهذا الصبر الذي لا نظير له يتكامل جهاد وصبر وتضحيات أهلنا واخواننا الكرام الذين اضطروا للنزوح المؤقت عن ديارهم، يستضيفهم أبناء بلدهم الذين أحسنوا النصرة، إذ فتحوا ديارهم وبيوتهم ومدارسهم يستضيفونهم بها، فتتكامل هذه الجهود مع تضحيات ابنائهم على الجبهات، لتصنع النصر الآتي بإذن الله.
إن أبناءنا يقدرون بحكمتهم الظروف التي تحكم وجودهم ويعطون ان شاء الله الصورة الناصعة عن اخلاقياتهم وتربيتهم، ولا يقومون باعطاء صورة تسيء إليهم ولا تشبههم. كما أن أهلنا المستضيفين بوطنيتهم وانسانيتهم ايضا يقدرون ظروف ضيوفهم الصعبة والضغوط الاجتماعية الاستثنائية التي يعيشونها، وليعلموا انه بمجرد وقف اطلاق النار سيعود أهلنا إلى ديارهم، ونعدهم ان النصر قريب ان شاء الله.
“بلى ان تصوروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا“.
ان العدو باستهدافه للمناطق المستضيفة يسعى لخلق أجواء فتنة بين أبناء البلد الواحد، ويعمل على تأجيجها بعض الإعلام المأجور لصالح العدو من دون رادع من قبل الأجهزة المعنية. ونحن هنا نطالب الجهات المسؤولة بالقيام بدورها في ظرف استثنائي يتعرض فيه البلد لتدمير المدن والقرى وتهجير سكانها والمجازر الوحشية والهمجية الانتقامية للتعويض عن فشله في الميدان، فيما العالم يصمت صمت القبور، ولم تفلح الجهود المبذولة لحماية المدن التي صنفت من مدن التراث العالمي عن نتيجة، فيما يستمر العدو في تدميره الممنهج لكل شيء، والعالم العربي والإسلامي يتفرج على المجزرة في غزة ولبنان من دون أن يقوم بأي حركة توقف هذا العدو عند حده، بل يساهم اعلام بعض دوله في الحرب وينطق كفرا باسم العدو.
اقول لأبنائنا واهلنا ما قاله الله تعالى لنا :
{ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـًٔا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }
يبقى ان الدولة هي المسؤولة عن استيعاب النزوح وتقديم ما يلزم وكل شيء يلزمهم. فحتى الآن ما زال بعض أهلنا في الطرقات ومن يسكن البيوت لم يلتفت إليهم احد، فإلى متى يبقى التعاطي على هذه الشاكلة، والاموال التي قيل بتخصيصها للنازحين لم نر منها شيئا، وقيل انها تعطى عبر المنظمات الدولية، ونحن بدورنا نسأل هذه المنظمات اي دور تقومون به للقيام بما عهد إليكم في مساعدة النازحين؟
اما بالنسبة إلينا في المجلس الشيعي، فنحن لم نتسلم اي مساعدات مهمة، واقتصر دورنا على الاتصال بالجمعيات والجهات المسؤولة وحثها على مساعدة النازحين وتأمين المساكن والاحتياجات لهم، وتقديم الموجود وفتح الجامعة الإسلامية خدمة لاهلنا، فيما نتعرض لحملة كاذبة بسبب مواقفنا المبدئية بدعم المقاومة الذي لن نتخلى عنه مهما بلغت حملات الكذب والتشويه” .