تناقض كبير يسود التقديرات العسكرية، السياسية والدبلوماسية لمسار الحرب الإسرائيلية على لبنان. تتضارب القراءات حول أفق هذه الحرب ومدتها، بين من يعتبر أنها أصبحت قريبة من الانتهاء خلال أسابيع قليلة، وبين من يعتبر أنها ستكون أطول وأن إسرائيل تنظر إلى قدرات حزب الله العسكرية بجدية خصوصاً مع توسيع عملياته ما يُبرز الحاجة إلى توسيع العملية لتقليص هذه القدرات وإنهائها.
منذ بداية العملية البرّية كانت الكواليس الدولية تتحدث عن فترة 5 أسابيع ممنوحة أميركياً لتل أبيب في سبيل تحقيق الأهداف. مضت هذه الأسابيع ولم تتمكن إسرائيل من تحقيق غالبية أهدافها فحزب الله كثّف عمليات إطلاق الصواريخ والمسيّرات ويخوض قتالاً شرساً ضد القوات المتوغلة براً فيلحق خسائر كبيرة في صفوف الجنود.
ذلك يدفع تل أبيب للتذرع بالحاجة إلى إطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها، خصوصاً أنها في الأيام الأولى كانت تتحدث عن عملية محدودة جداً، وتشتمل على قرى الشريط الحدودي.
يصرّ الإسرائيليون على معادلة التفاوض تحت النار، لذلك يوسعون ويكثفون من عملياتهم، وقد أعلنوا الانتقال إلى مرحلة ثانية من عمليتهم البرية للتوغل نحو خط الدفاع الثاني أي القرى الخلفية، ذلك يشير إلى حرب من شقين، الشق العسكري الميداني، والشق النفسي.
التصعيد الإسرائيلي وصل إلى حارة صيدا بعمليات الاستهداف، إضافة إلى تركيز العمليات باتجاه البقاع وتكثيف عمليات الاغتيال.
حزب الله يعتمد أيضاً على تكثيف عملياته الميدانية، وفي الحرب النفسية من خلال التحذيرات التي وجهها إلى سكان المستوطنات الشمالية مطالباً إياهم بإخلائها، وهو حدث استنفر دول كثيرة للسؤال عن جدية التحذير وإذا كان الحزب فعلياً قد انتقل إلى مرحلة جديدة من مواجهاته.
الخلاصة أن الحزب أيضاً بدأ باعتماد مبدأ التفاوض بالنار والإمعان في خوض الحرب النفسية.
وغداة إعلان حزب الله 20 «مستوطنة إسرائيلية أهدافاً مشروعة ودعا سكانها لإخلائها فوراً»، أصدر الجيش الإسرائيلي أمس، أوامر إخلاء جديدة لسكان 14 قرية في جنوب لبنان، محذراً من أنه سيضرب أهدافاً فيها.
في هذا السياق، تشير مصادر دبلوماسية متابعة إلى جدية أميركية في المفاوضات، وهو ما ينظر إليه لبنان بإيجابية لا سيما مع عودة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، والمبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكشتاين، للتأكيد على تطبيق القرار 1701 بحذافيره من دون الحديث عن تعديله، بل مع إيجاد آلية لتطبيقه.
جانب مما تتركز عليه المفاوضات هو وقف إطلاق نار فوري، بعدها يبدأ حزب الله بالانسحاب من الجنوب، مقابل انسحاب الإسرائيليين من الأراضي التي توغلوا إليها، على أن تبدأ عودة السكان المهجرين على جانبي الحدود خلال فترة ستين يوماً، مع البحث في كل الآليات التطبيقية، حول دخول الجيش اللبناني إلى جنوب نهر الليطاني وإعادة إنشاء مقرات ومراكز وثكنات في مناطق متقدمة، إضافة إلى دخول قوات الطوارئ الدولية وتعزيز دورها، وبحسب المعلومات فإن لبنان يوافق على تعزيز صلاحيات اليونيفيل في الجنوب والتحرك بدون تنسيق مع الجيش، وحتى القيام بمداهمة لأماكن يكون هناك شكوك في احتوائها لأسلحة، مع تشديد على أن الأملاك الخاصة لا يتم الدخول إليها إلا برفقة الجيش اللبناني.
كذلك يتم العمل خلال فترة الستين يوماً على السعي لإنجاز الاستحقاقات اللبنانية ولا سيما انتخاب رئيس توافقي للجمهورية والسعي الدولي لتوفير المساعدات اللازمة للبنان لإعادة الإعمار وتكريس الاستقرار، على أن تنطلق ما بعد هذه الفترة وفي ضوء إعادة تشكيل السلطة مباحثات جدية مع القوى الدولية لإنجاز ترتيب نهائي لمسألة الحدود البرية.
منير الربيع – الجريدة الكويتية