كتبت صحيفة “البناء” تقول:
بعدما أنهى زيارته إلى تل أبيب دون إعلان عن نتائج وعن نيات العودة إلى بيروت، أعلن المبعوث الأميركي أموس هوكشتاين عودته إلى تل أبيب مجدداً غداً الأحد، ثم إلى بيروت، بعدما كان نتنياهو أعلن عن مواصلة الحرب حتى تحقيق الأهداف. بعد لقاء هوكشتاين وتبلّغه رفض لبنان للبحث بأي تعديل للقرار 1701 وأولوية وقف النار عند بيروت على أيّ بحث، وعودة هوكشتاين إلى بيروت من بوابة تل أبيب يعني ثمة جديد في تل أبيب، سوف يطلع عليه هوكشتاين ويناقشه ويحمل جديداً يستحق العودة إلى بيروت التي لم يطرأ ما يدفعها لتعديل مواقفها. وعبرت مواقف هوكشتاين التي ساوت للمرة الأولى بين لبنان والكيان في عدم تنفيذ القرار 1701، عن وجود تراجع في الموقف الإسرائيلي يسمح بمواقف أميركية تنفتح على الطلبات اللبنانية، من موقع التمسك الأميركي بالحفاظ على المصالح الإسرائيلية أولاً. ولعل الجديد الإسرائيلي هو ما بدأت تشير إليه مواقف وزير الحرب ورئيس الأركان في الكيان عن إنهاء العملية البرية ووقف الحرب، تحت تأثير الفشل غير القابل للتمويه للحرب في إخضاع المقاومة أو إضعافها، رغم كل الضربات القاسية التي وجّهت إليها، حيث لا تفيد في تظهير صورة القوة الإسرائيلية الغارات المكثفة على الضاحية الجنوبية بنية تدميرها أو على البقاع بهدف تهجيره، وفي الجنوب حيث القتل يستهدف الصحافيين فاستشهد منهم زميلان من قناة الميادين وزميل من قناة المنار، لأن ميدان الحضور الحاسم هو الجبهة الأماميّة وما يجري فيها، حيث الكلمة العليا للمقاومة، كما تقول جبهات القتال.
العملية البرية التي بدأت مطلع الشهر الحالي تستمرّ في يومها السادس والعشرين بضراوة استثنائيّة، حيث تسجل المقاومة سيطرة محسومة على الميدان، وتحتفظ باليد العليا، وقد تمكّنت خلال أسبوع كامل من احتواء وتدمير هجمات بالعشرات، شارك فيها مئات الجنود والضباط وعشرات الآليات، وقد نجحت المقاومة بفرض إرادتها على جبهة بعرض خمسين كيلومتراً ممتدّة على طول محاور الفرق 36 و91 و98 من مروحين غرباً إلى بلدة الغجر شرقاً، حيث يواجه المقاومون طلائع هذه الفرق التي تضم خمسين ألف جندي وخمسمئة آلية، وقد نجحوا خلال هذه المنازلة الممتدة منذ أول الشهر الجاري بفرض إيقاعهم الناري داخل الحدود اللبنانية وعلى طول الشريط الذي تنتشر فيه هذه الفرق، فكانت الحصيلة أكثر من 100 قتيل و1000 جريح في صفوف جيش الاحتلال، وتدمير أكثر من 50 آلية منها 38 دبابة ميركافا.
فيما واصل العدو الإسرائيلي مسلسل مجازره في الجنوب والبقاع وتدمير الضاحية الجنوبية لبيروت، سجلت المقاومة مزيداً من العمليات النوعية في الميدان واستهداف المواقع العسكرية والمستوطنات شمال فلسطين المحتلة، ملحقة خسائر بشرية ومادية فادحة، مسجلة مجزرة في الدبابات الإسرائيلية في أكثر من محور مواجهة، حيث كانت الضربة الأقسى في الجليل إذ أعلنت إذاعة جيش الاحتلال «إصابة 20 شخصاً حالة 3 منهم خطيرة قرب مجد الكروم في الجليل إثر سقوط صاروخ أطلق من لبنان». ونشر الإعلام الحربي في الحزب عدة مشاهد لعمليات شملت استهداف دبابة ميركافا في مستوطنة زرعيت، شركة تاعس شمال تل أبيب، مستوطنتَي كرمئيل ونهاريا وقاعدة الكرمل التابعة للجيش الإسرائيلي جنوب مدينة حيفا المحتلة بصواريخ «نصر 2»، ما دفع بالإعلام الإسرائيلي للتصريح العلني «بأننا ندفع ثمناً باهظاً في هذه الحرب»، مع بلوغ عدد بيانات حزب الله حول عملياته إلى 48، حتى منتصف ليل أمس.
ونقلت «هيئة البث الإسرائيلية» عن مسؤولين كبار، إنهم «يتوقعون إنهاء المناورة البرية في جنوب لبنان خلال أسبوع أو أسبوعين». وأعلنت القناة 12 الإسرائيلية عن أن «الرشقة الصاروخية من لبنان باتجاه الجليل الغربي سببت أضراراً في شبكة الكهرباء». وأفادت إذاعة جيش العدو، عن «إصابة 6 جنود إسرائيليين جراء سقوط صاروخ في منطقة شوميرا بالجليل الغربي».
ومساء أمس، أفادت إذاعة جيش الاحتلال، عن «إصابة 6 جنود إسرائيليين جراء سقوط صاروخ في منطقة شوميرا بالجليل الغربي».
وأعلن حزب الله في سلسلة بيانات، قصف دبابة ميركافا قرب موقع مسكفعام بصاروخ موجّه ما أدّى إلى تدميرها ووقوع طاقمها بين قتيل وجريح، وأعلن الإعلام الحربي في الحزب أن مجاهدي المقاومة شَنّوا هجوماً جوياً بِسربٍ من المسيرات الانقضاضية على قاعدة فيلون (مقر ومخازن طوارئ فرقتي 36 و210) شرق مدينة صفد وأصابت أهدافها بِدقة». كما أعلن استهداف دبابة ميركافا على طريق مركبا -عديسة بصاروخ موجّه، ما أدّى إلى تدميرها ووقوع طاقمها بين قتيل وجريح، وإجبار قوة صهيونية مرافقة لها على الانسحاب إلى موقع العبّاد».
ووصف خبراء عسكريون عمليات المقاومة خلال الأيام القليلة الماضية بالإنجازات الكبيرة التي تؤكد استعادة حزب الله زمام المبادرة في الميدان والتحكم بمسار المواجهات، بعدما تمكّن الحزب من استدراج القوات الإسرائيلية للدخول إلى القرى والبلدات ونصب الكمائن لها لكي تتمكّن من إلحاق الخسائر بها». ولفت الخبراء لـ»البناء» إلى أن «رفع حزب الله من وتيرة عمليّاته يريد تحقيق مجموعة من الأهداف أولها إحباط الخطط العسكرية البرية وإجهاض الأهداف المعلنة للحرب من خلال رفع فاتورة وكلفة العمليّة البرية والحرب بشكل عام لزرع الإحباط لدى القيادة العسكرية الإسرائيلية لكي تضغط بدورها على الحكومة الإسرائيلية لإعادة الحسابات والنظر بالاستمرار في الحرب». ووفق الخبراء فإن «الجيش الإسرائيلي لن يتأخر لإعلان صرخته إذا ما استمرّت أخبار الميدان على هذه الوتيرة».
ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين لبنانيين تأكيدهم أن «حزب الله تعافى من انتكاساته غير المسبوقة بفضل هيكل قياديّ مرن وبمساعدة إيران». كما نقلت الصحيفة عن مسؤول عسكريّ إسرائيلي قوله إن «حزب الله خصم قويّ في مواجهة جيشنا ومقاتلوه أصبحوا أفضل تدريباً وأكثر خبرة». وأفادت صحيفة «فايننشال تايمز» بأن «المجموعات المدعومة من إيران بما في ذلك حزب الله تتمركز جنوبي سورية مما يخلق جبهة محتملة أخرى للقتال».
وأكدت الصحيفة أن «إسرائيل تعزّز مواقعها الدفاعية في الجولان»، مشيرة إلى أن «الجيش الإسرائيلي حفر خندقاً بطول 7 كيلومترات على الأقل على طول الحدود بين مرتفعات الجولان وجنوب سورية».
في المقابل واصل العدو تنفيذ الغارات العدوانية جنوباً وبقاعاً، وشنّ سلسلة غارات على الضاحية الجنوبية في حارة حريك وبرج البراجنة، استهدف الطيران الإسرائيليّ مقرّ إقامة الفرق الصحافيّة في فندق في حاصبيا، مما أدى الى استشهاد 3 صحافيين وإصابة عدد آخر. ونعت قناة «الميادين» مهندس البثّ في القناة محمد رضا والمصوّر غسان نجار، كما نعت «المنار» المصور في القناة وسام قاسم. ومن الصحافيين الجرحى زكريا فاضل وحسن حطيط وعلي شعيب.
واعتبر الرئيس ميقاتي «أن العدوان الإسرائيلي الجديد الذي استهدف الصحافيين والمراسلين في حاصبيا، يشكل فصلاً من فصول جرائم الحرب التي يرتكبها العدو الإسرائيلي من دون رادع او صوت دولي يوقف ما يجري. كما أن هذا العدوان المتعمّد هدفه بالتأكيد ترهيب الإعلام للتعمية على ما يرتكب من جرائم وتدمير». وأضاف: «لقد أعطيت توجيهاتي الى وزارة الخارجية والمغتربين لضمّ هذا الجريمة الجديدة الى سلسلة الملفات الموثقة بالجرائم الإسرائيلية التي سترفع الى المراجع الدولية المختصة، لعل الضمير العالمي يوقف ما يحصل. رحم الله الشهداء الصحافيين والدعاء بالشفاء العاجل للمصابين». كما أشار مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الى ان «الصحافيين مدنيون وفق القانون الإنساني الدولي وتجب حمايتهم في كل النزاعات».
كما أغار طيران الحربي الاسرائيلي فجر أمس، على الحدود اللبنانية السورية – المصنع. ما أدّى إلى تدمير ممر صغير صمد بعد غارات استهدفت المعبر في الأيام الماضية. كما قصف منطقة جوسي من ناحية القاع مستهدفاً أحد الجسور عند الحدود اللبنانية السورية ما أدّى الى قطع الطريق. كما خرج معبر القاع من الخدمة، بعد غارة إسرائيلية في الأراضي السورية، على بعد مئات الأمتار من مكتب الأمن السوري» في المعبر المعروف باسم جوسيه. وقطعت الغارة الطريق أمام حركة السيارات والشاحنات، ليبقى بذلك معبر واحد رئيسيّ بين البلدين قيد الخدمة.
وأعلن وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال علي حمية أن «القصف الإسرائيلي الذي طال الحدود السورية – اللبنانية تسبّب بإغلاق المعبر الثاني الرابط بين البلدين بعد معبر المصنع». وأكد في تصريح أننا «لم نصل بعد إلى مرحلة الحصار»، مشيراً إلى أن «استهداف المعابر البرية، مثل معبر القاع، كما حصل لمعبر المصنع، يعمّق الأزمة الحالية».
وأشارت الأمم المتحدة، إلى أن «استهداف «إسرائيل» للحدود بين لبنان وسورية يهدّد شريان حياة رئيسياً».
في المواقف الدوليّة، أشار المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، «أنني أعتقد أنه يمكن إنهاء الحرب بين «إسرائيل» ولبنان وفق القرار 1701». ولفت إلى أن «»إسرائيل» وحزب الله يتبادلان الاتهامات بعدم الالتزام بالقرار 1701 والحقيقة أنّهما لم يلتزما به».
وأضاف هوكشتاين «يجب السماح للقوات المسلحة اللبنانية بالانتشار فعلياً في جنوب لبنان والقيام بوظيفتها».
بدوره، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن «هناك ضرورة ملحّة للتوصل إلى حل دبلوماسي للصراع في لبنان»، مشدداً على وجوب تطبيق القرار 1701 بشكل كامل. وخلال لقائه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لفت بلينكن إلى أن «واشنطن ما زالت تسعى للحل الديبلوماسي لوقف فوري لإطلاق النار والتزام كل الاطراف بالقرارات الدولية التي تضمن الاستقرار في المنطقة». وأعرب «عن دعم الولايات المتحدة للمؤسسات الحكومية لا سيما الجيش والقوى الأمنيّة».
وبعد مشاركته في «المؤتمر الدولي لدعم لبنان» في باريس حطّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في لندن أمس، واجتمع مع وزير الخارجية الأميركية انتوني بلينكن. وخلال الاجتماع، قال رئيس الحكومة: «نحن نصرّ على أولويّة وقف إطلاق النار وردع العدوان الإسرائيلي خصوصاً أن هناك أكثر من مليون واربعمئة ألف لبناني نزحوا من المناطق التي تتعرض للاعتداءات. كما تنتهك «إسرائيل» القانون الدولي باعتدائها على المدنيين والصحافيين والطاقم الطبي». كما شدّد على «التزام لبنان بتطبيق القرار 1701 كما هو، من دون تعديل». وقال: «المطلوب أولاً التزام حقيقي من «إسرائيل» بوقف إطلاق النار، لأن التجربة السابقة في ما يتعلق بالنداء الأميركي – الفرنسي المدعوم عربياً ودولياً، لوقف إطلاق النار أثّرت على صدقية الجميع».
بدوره، أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن المجتمع الدولي يجب أن يسرّع جهوده لإيجاد حل سياسي في لبنان، حيث تتواجه «إسرائيل» مع حزب الله، لتجنب أن يحتدم النزاع «بشكل معمّم». وشدد بوريل في بيان: «نحن في سباق مع الزمن بين إمكان إطلاق مسار سياسي في لبنان واحتدام للوضع بشكل معمّم لا تُحصى تداعياته». واعتبر أن «استعادة سيادة لبنان تقتضي نشر الجيش في الجنوب»، مشيراً إلى أن «إيران و»حزب الله» مسؤولان عن عدم تنفيذ القرار 1701».
في سياق ذلك، توجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري بالشكر والتقدير للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وفرنسا حكومة وشعباً على تنظيم المؤتمر الدولي لدعم لبنان وسيادته مالياً وسياسياً وإنسانياً، وأشار في بيان إلى «أن ما أفضى إليه المؤتمر من نتائج على مستوى الدعم المالي لإغاثه النازحين وتمكين ودعم الجيش اللبناني من أجل القيام بدوره في حفظ الأمن وصون السيادة الوطنية على كامل التراب الوطني لا سيما في منطقة جنوب الليطاني الى جانب قوات اليونيفل إنفاذاً وتنفيذاً للقرار الأممي 1701 يرسّخ لدينا القناعة أن لبنان ليس وحده في مواجهة الخطر الوجودي الذي يتهدّده، إننا نتطلع بالقدر نفسه من الأمل وعلى وجه السرعة بأن يلاقي المجتمع الدولي ما أفضى اليه المؤتمر من نتائج وتوصيات لكي يبادر الى وقفة إنسانية تاريخية جادة، لقد آن الأوان لإنقاذ الإنسان وإنقاذ لبنان من العدوان».
واستقبل بري في عين التينة المندوب الخاص لوزير الخارجية الإيراني لشؤون الشرق الأوسط وغرب آسيا محمد رضا شيباني، حيث جرى عرض لتطورات الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة على ضوء مواصلة «إسرائيل» عدوانها على لبنان والتداعيات الناجمة عنه على مختلف المستويات.