كتبت صحيفة “الجمهورية”: المنطقة على فوهة بركان يوشك أن يثور ويقذف حممه الحارقة في أرجائها، وها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يضع لحربه اسماً جديداً؛ «حرب القيامة»، متوعداً بأنّه لن يوقف الحرب قبل أن تتحقق الاهداف التي حدّدها. معطياً بذلك إشارة بالغة الدلالة والوضوح على ما يبيّته من نوايا عدوانية. فيما تتقلّب الجبهة الإيرانية على نار انتظار ما قد يلفحها من تطورات ربطاً بالتهديد الاسرائيلي بالردّ على الهجوم الصاروخي الايراني، وتهديد ايران بردّ قاس ومدمّرعلى الردّ.
ولبنان أمام الجدار؛ خارجياً، لا حراك سياسياً او ديبلوماسياً فاعلاً او جدّياً لوقف العدوان الإسرائيلي، المستمر في محرقة التدمير الممنهج لبلدات الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية. داخلياً، اشتعال متزايد في جبهة الجنوب ومواجهات عنيفة بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي الذي يحاول التقدّم في محاور متعددة، مواكباً عدوانه بقصف مدفعي وغارات جوية على مختلف البلدات الجنوبية والبقاعية وصولاً إلى الضاحية الجنوبية.
فرنجية لرئيس فعلي
يقابل الغليان على الجبهة الحربية، صقيعٌ كامل على الجبهة السياسية منعدمة فيه احتمالات الانفراج، وعودةٌ إلى مربّع الصفر والانقسام، ولعبة الابواب المغلقة، حيث لا تجاوب، ولو بالحدّ الأدنى، مع محاولة تحريك الاستحقاقات المعطّلة، وفي مقدّمها الملف الرئاسي، بما يضع انتخاب رئيس للجمهورية على سكّة التعجيل والحسم، كواحدة من الخطوات التي باتت أكثر من ملحّة لحقن البلد بشيء من المناعة والتحصين في ظرف يتّسم بمخاطر مصيرية على الحاضر والمستقبل. فيما البلد مكشوف بالكامل وبلا حصانة أو غطاء واقياً من الصدمات التي يتلقّاها في أمنه، استقراره وحجره وبشره.
على الخط السياسي الداخلي، أعادت مجموعات المعارضة طرح مقارباتها القديمة للحل الرئاسي، وفق الشروط التي سبق وطرحتها ما قبل العدوان، ولاسيما مطالبتها بجلسة انتخابية مفتوحة بدورات متتالية، فيما برزت في المقابل زيارة رئيس تيار «المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية إلى عين التينة ولقاؤه رئيس مجلس النواب نبيه بري. وقال بعد اللقاء: «الزيارة للتشاور، لاسيما بعد اتساع الأحداث في البلد وفي ظل الحرب الوسخة التي يشنّها العدو الإسرائيلي على لبنان». مؤكّداً انّ «اولويتنا اليوم وقف العدوان والتطلع الى الامور الكبيرة وتخطّي الصغائر، لأنّ الاهم ان ينتصر لبنان».
ورداً على سؤال قال: «برّي لا يزال داعماً لترشيحي. والبعض أعلن استسلامه قبل المعركة. لكن فلننتظر نتائج هذه المعركة»، لافتاً الى انّه «اذا انكسر أي فريق في لبنان فالكل خسران. وهناك محاولات جرت لكسر المعنويات والارادة، ولكن الايام ستؤكّد عكس ذلك».
وأوضح انّ «الرئيس الذي يرضي الجميع «ما بيعمل شي»، ونريد رئيساً فعلياً شرعياً وليس رئيساً قانونياً، وأن يكون عربياً وطنياً ومؤمناً بعروبة البلد ويحمي ظهر المقاومة». ولفت إلى انّ الامور لن تكون حسب رغبات العدو بل حسب مصلحة لبنان. مشيراً الى انّ البعض يراهن على اسرائيل ويفضّلها على شريكه في الوطن، فيما انّه اذا تقدّمت اسرائيل فالخسارة ستكون على الجميع.
وحول ما إذا كانت إيران باعت «حزب الله» قال فرنجيه انّ محور المقاومة لا يتعاطى بسياسة البيع والصفقات، بعكس المحور الآخر الذي باع في اماكن عديدة، مؤكّداً انّ لدى إسرائيل رغبة في إحداث فتنة داخلية، ولكن نحن مستعدون لبذل كل التضحيات لعدم اندلاع حدوث أي فتنة والاهم حماية مستقبل لبنان. واكّد انّه مع فلسطين والشعب الفلسطيني. وتمنياته كانت بعدم دخول الحرب، ولكن لو فعل ذلك «حزب الله» لجعله بعض الاعلام عندنا خائناً للأمة العربية.
جنبلاط لرئيس وفاقي
ودعا الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، بعد اجتماع المجلس المذهبي الدرزي أمس، الى رئيس للجمهوريّة وفاقيّ، لافتاً الى أننا «لن نربط انتخاب الرئيس بوقف إطلاق النار». موضحاً «أننا لا نملك أي صفة لاستبعاد أفرقاء آخرين من الاجتماع الثلاثي في عين التينة، وكلّفنا نوابًا لاستكمال الجولة على كلّ الكتل النيابية».
وقال جنبلاط: «نستنكر العدوان الإسرائيلي، ولن نربط مصيرنا بمصير غزّة، واتمنى اليوم ان نُخرج أنفسنا من هذه الدوامة كوننا في حالة حرب قد تطول».
إلى ما بعد العدوان
الى ذلك، أبلغت مصادر سياسية مسؤولة الى «الجمهورية» قولها: «إنّ منافذ الانفراج الرئاسي مقفلة، ولا شيء في المدى المنظور، فالهوة عميقة بين المكونات السياسية، ما يعني انّ الامور رُحّلت بالحدّ الادنى الى ما بعد انتهاء العدوان الاسرائيلي».
ولفتت المصادر إلى أنّ «أطراف المعارضة مصمّمة على ركوب موجة التحدّي واعتراض طريق التوافق الداخلي، ورهانها واضح على متغيّرات، مؤمّلة نفسها بأن تؤدي الى انقلاب الميزان لمصلحتها، وخلق واقع جديد في لبنان يمكّنها من انتخاب رئيس للجمهورية يداعب طموحاتها وطروحاتها التي تعاكس فيها غالبية الشعب اللبناني».
وأوضحت المصادر، أنّ مبادرة «اللقاء الثلاثي» في عين التينة قدّمت الحل الأمثل بالتأكيد على انتخاب رئيس توافقي لا يشكّل تحدّياً لأحد. وهذا الرئيس يتطلّب تشاوراً او حواراً ولو بالحدّ الادنى بين المكونات، ومن هنا جاءت دعوة الرئيس ميقاتي من بكركي إلى جميع الاطراف الى لقاء حواري نخرج منه بموقف موحّد وننتخب رئيساً توافقياً لأنّ الوطن في خطر داهم وإنقاذه يتطلّب منا شجاعة مشتركة. ولكن في نهاية الأمر قوبلت المبادرة بالرفض والتصميم على إغلاق الباب الرئاسي.. لا نعلم ماذا ينتظرون»؟
دعم أردني
وفي سياق مرتبط بالعدوان الاسرائيلي، خرقت الجمود الديبلوماسي حياله، زيارة وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي إلى بيروت أمس، حيث التقى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون.
واوضح الصفدي انّ الزيارة لتأكيد موقف الاردن التاريخي والدائم بدعم لبنان وأمنه وسيادته وسلامة مواطنيه بشكل كامل، واستعداد المملكة لتقديم كل ما تستطيعه من مساعدات، مشيراً الى انّ الأردن مستمر في جهوده لوقف هذا العدوان.
وقال: «نحن ندعم جهود لبنان في تفعيل مؤسساته الوطنية وقراره الوطني في ما يتعلق بتفعيل وتمكين هذه المؤسسات بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية الذي يشكّل خطوة مهمّة في تقوية وضع لبنان على المستوى الدولي. ونؤكّد أنّ هذا القرار وطني لبناني لا نتدخّل فيه، لكن ندعم كل ما يتفق عليه اللبنانيون من اجل تحقيق ذلك. فنحن في مواجهة كارثية وتصعيد خطير يهدّد أمن المنطقة برمتها، والسلم والأمن الاقليميين والدوليين».
أضاف: «يجب لجم العدوانية الإسرائيلية وتطبيق القانون الدولي بشكل كامل على إسرائيل، وثمة قرار في مجلس الأمن قادر على أن يحقق الأمن والاستقرار وهو القرار 1701، ونحن ندعم تطبيقه بالكامل».
ورداً على سؤال قال: «موقف الاردن كان واضحاً، لن نكون ساحة حرب لأحد، ولن نسمح لأي كان باختراق أجواء المملكة وسيادتها وتهديد أمن مواطنينا، إن حماية أمن مواطنينا وحماية الاردن أولوية بالنسبة لنا، وأبلغنا هذه الرسالة الواضحة إلى إيران وإلى إسرائيل ايضاً».
واشنطن: تحرّك مكثّف
إلى ذلك، وفيما قالت نائبة الرئيس الاميركي كامالا هاريس «إنّ الحل الديبلوماسي على الحدود بين إسرائيل ولبنان هو السبيل الوحيد لاستعادة الهدوء الدائم»، وأعلنت الخارجية الأميركية، «أبلغنا إسرائيل بضرورة إبقاء الطرقات المؤدية إلى مطار بيروت مفتوحة». وأوضحت، أنّ العمليات البرية الإسرائيلية في لبنان محدودة حتى الآن وفقاً لتقييمها، مشيرةً إلى أنّ «ما نسعى إليه هو التطبيق التام لقرار مجلس الأمن 1701 في جنوب لبنان».
وأبلغت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية»، أن فرص الحل الديبلوماسي منعدمة حالياً، وخصوصاً انّ اتجاهات الموقف الاميركي غير واضحة حتى الآن».
وعرضت المصادر عينها خلاصة عن محادثات مع مسؤولين اميركيين في واشنطن، تفيد بدعم اميركي كامل للعملية الإسرائيلية في جنوب لبنان، على اعتبار انّ لإسرائيل الحق في تعقّب من يؤذيها». ولكن في الوقت ذاته لا يقلّلون «من الصعوبات التي تعتري العملية البرية الاسرائيلية في جنوب لبنان. ويرون انّ هذا الأمر لا ينبغي ان يطول كثيراً لأنّ استمرار التصعيد قد تترتب عليه مخاطر وتعقيدات في طريق الحل الديبلوماسي».
وبحسب المصادر، فإنّ هؤلاء المسؤولين يوحون بعدم معرفة المدى الذي ستستمر فيه هذه العملية ويكتفون بالقول: إسرائيل ابلغت واشنطن بأنّ العملية محدودة».
ولفتت المصادر إلى «انّ المسؤولين الاميركيين، وخصوصاً من هم في وزارة الخارجية الاميركية، يتجنبون التعليق على التحذيرات الاميركية لإسرائيل وخصوصاً من البنتاغون من أنّ التصعيد لن يكون في مصلحتها ومن شأنه أن يعرّض أمنها للخطر، لكنهم يرجّحون ان تنطلق الولايات المتحدة في وقت قريب في خطة تحرّك مكثف لاحتواء التصعيد (ربما على أساس المبادرة الدولية الاخيرة). والتوصل الى وقف لاطلاق النار، يفسح المجال للحل الديبلوماسي الذي تعتبر واشنطن أنّه يشكّل مصلحة لكل الاطراف، ويؤدي الى اعادة السكان على جانبي الحدود.
باريس: المبادرة مستمرة
وفي السياق ذاته، أعلن وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو «انّ الاقتراح الفرنسي- الأميركي لوقف إطلاق النار في لبنان لا يزال مطروحًا وسنواصل العمل عليه». وقال من اسرائيل امس «انّ بلاده ترى انّ القوة وحدها لا تكفي لضمان امن اسرائيل، لقد حان وقت الديبلوماسية». ورأى أنّ «العنف في لبنان يهدّد بإغراقه في فوضى دائمة»، محمّلاً «حزب الله» مسؤولية اتساع الحرب في لبنان».
وفي سياق المبادرة، لفت كلام لوزير الاعلام زياد مكاري العائد من مشاركته في القمة الفرنكوفونية في باريس، والذي قال انّه اجرى مشاورات على هامشها، حيث قال رداً على سؤال عن المبادرة: «هذه المبادرة جدّية، وستبدأ الآن، وقد طلبت موعداً من الرئيس نبيه بري لوضعه في أجواء ما يحصل».
وعندما قيل له إنّ اللبنانيين يتخوفون من ان تظل هذه المبادرات حبراً على ورق، قال: «نحن نتحدث عن وقف إطلاق النار الذي هو لمرحلة محددة لنتمكن من الحديث على «الرايق» فإذا كانت الأمور حامية عسكرياً كما نرى حيث تُقصف بيروت والمناطق، لا أحد يمكنه الدخول بعملية تفاوض او مفاوضات. إنّ الحكومة والدولة اللبنانية قادرة ان تلتزم بوقف لاطلاق النار كخطوة اولية، وحتى «حزب الله» يقول: كنا وافقنا على المبادرة الفرنسية الأميركية إنما الجانب الإسرائيلي لم يلتزم بها، وهذا حقيقي».
وسُئل عمّا ستتكلمون به على «الرايق»؟ اجاب: «سنتكلم عن تطبيق القرار 1701 بشكل جدّي».
تحذير أممي
وأعرب مصدر ديبلوماسي أممي عن قلق بالغ حيال التصعيد الخطير في لبنان، وخشيته من أن يؤدي ذلك إلى فوضى عارمة في المنطقة.
وقال لـ«الجمهورية»: «اننا قلقون من الاجتياح الاسرائيلي البري للبنان، وسبق للأمين العام انطونيو غوتيريش أن حذّر من هذا الأمر، وخصوصاً أنّ المدنيين هم الاكثر تضّرراً من هذا التصعيد. ونحن نرى الاستهداف المباشر للمدنيين والعدد الكبير ممن فقدوا حياتهم، او أصيبوا، وهو غير مقبول، كما نرى عائلات كثيرة تركت مناطقها وبيوتها، والتقارير تفيد عن أنّ عددهم زاد عن مليون شخص. مع الأسف خلق هذا التصعيد وضعاً إنسانياً مأساوياً في لبنان».
واشار إلى انّ «هذا الواقع يهدّد سلامة قوات حفظ السلام (اليونيفيل)، وثمّة تقارير تفيد بمخاطر جدّية على هذه القوات، وهو الأمر الذي يوجب على كل الاطراف عدم التعرّض لقوات حفظ السلام، التي تقوم بمهامها وفقاً لقرار مجلس الامن الدولي رقم 1701، وفي هذا الوضع المقلق، نكرّر دعوتنا الى كل الاطراف الالتزام بتنفيذ هذا القرار، وخفض التصعيد، والشروع عاجلاً في البحث في خطة ديبلوماسية توقفه وتؤمّن الهدوء والاستقرار على جانبي الحدود بين لبنان واسرائيل».