كتبت صحيفة “البناء”: تبدو صورة مسارات الحرب واضحة رغم أنها لا تبدو قد قاربت نهايتها، كأن مجرد فشل الحزمة القاتلة المصمّمة لإسقاط حزب الله بالضربة القاضية، كان كافياً كي يبدأ التبدل في اتجاهات الحرب بالظهور سريعاً، وبعد يوم دامٍ عاشه لبنان وبقي مستمراً بتداعياته مع المزيد من الغارات والمزيد من التهجير، ظهرت المقاومة وقد أمسكت بزمام المبادرة وسيطرت على ناصية الحرب، وصار الحدث صواريخ المقاومة بدلاً من غارات الاحتلال، وقد امتدت مساحة النار التي رسمتها صواريخ المقاومة وطائراتها المسيّرة على عمق 65 كلم وعرض 90 كلم بمساحة بلغت 5500 كلم مربع بما يزيد عن نصف مساحة لبنان أو خمس عشرة مرة أكثر من مساحة قطاع غزة، وتحوّلت المنطقة الممتدة من الحدود اللبنانيّة حتى حدود شمال الضفة الغربيّة وصولاً إلى الخضيرة شمال تل أبيب، إلى منطقة عمليّات فرغت من الحركة والحياة، وتوقفت فيها المدارس والشركات والمؤسسات الحكومية والسياحية ونزل سكانها إلى الملاجئ بينما لم يتحمّل بعضهم الضغوط فقرّر النزوح.
الحديث عن تدمير مقدرات حزب الله الذي صدر عن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الحرب في حكومته ورئيس أركانه والناطق بلسان جيشه صار مصدر تندّر وسخرية على وسائل التواصل الاجتماعي العبرية، حيث الصور عن الحرائق والدمار الناتجين عن صواريخ المقاومة مرفقة بتصريحات قادة الكيان التي تقول دمّرنا نصف مقدرات حزب الله الصاروخية، حتى اضطر كبار الضباط في جيش الاحتلال الى تعميم نفي وتكذيب لتصريحات القادة السياسيين والقول إن تدمير هذه المقدرات خصوصاً في ما يخص الأسلحة الاستراتيجية مستحيل، وإن الجيش لا يعلم أين خبأ حزب الله هذه الأسلحة.
في التداول بين قادة الكيان مواصلة الحديث عن المضي قدماً في العملية العسكرية عبر المزيد من الغارات التي بات العالم يعرف أنّها تكرار لما شهده قطاع غزة، وأن الشعار والعنوان هو نفسه، أن المقاومة توزع الأسلحة بين المدنيين وتتخذ منهم دروعاً بشرية، وقد سئم العالم سماع هذه المعزوفة الإجراميّة لتبرير ارتكاب المزيد من المجازر بحق المدنيين وقتل المزيد من الأطفال والنساء.
الحديث عن عمليّة بريّة لا بد منها مع فشل القصف الجوي في حسم المعركة بدأ يقلق كبار الضباط في جيش الاحتلال الذين يعرفون أن لا شيء يسمح للفوز بالحرب البريّة وقد فشلت في حرب 2006، وكل شيء صار أفضل للمقاومة، ولا شيء يسمح بالقول بالفوز بالحرب مع حزب الله وقد فشلت الحرب مع حركة حماس، وكل الفوارق تعمل لصالح حزب الله. وقد ورد على لسان كبار الضباط كما نقلته القناة الثانية عشرة يقول إن التوصل الى اتفاق يُنهي الحرب في الجنوب قد يكون ضرورياً لإنهاء الحرب في الشمال.
وشهدت الأروقة الدولية اتصالات بين وزراء الدول العربية، وعدد من المسؤولين الدوليين، فعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً في نيويورك لإدانة العدوان والمطالبة بخفض التصعيد، أما فرنسا فدعت مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة. أما الأمين العام للأمم المتحدة فعبّر عن قلقه من تصاعد المواجهات، كذلك صدرت مواقف منددة عن دول عديدة عربية وأجنبية. ولفت أمير دولة قطر إلى أن «إسرائيل» تشن حربًا على لبنان بعد جريمة تفخيخ أجهزة الاتصال وتفجيرها. وقال في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لاجتماعات الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك: «أوقفوا العدوان على غزة وأوقفوا الحرب على لبنان». ودعت الخارجية السعودية المجتمع الدولي والأطراف المؤثّرة إلى تحمّل مسؤولياتهم في السعي لإنهاء الصراعات القائمة، مؤكدة أهمية الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته، بما يتماشى مع مبادئ القانون الدولي. أما مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل فعبّر عن خشيته من حرب شاملة في الشرق الأوسط، قائلاً: «التصعيد في لبنان خطير». بينما دعا وزير خارجية بريطانيا إلى وقف إطلاق النار فوراً. وقال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لشبكة «سي.ان .ان» الاميركية، إن «حزب الله لا يستطيع مواجهة إسرائيل منفرداً»، معتبراً أن «الهجوم الإسرائيلي على لبنان يخاطر بإشعال الصراع في المنطقة»، وأكد أن «الخطر قائم من أن تمتد نار الأحداث في لبنان إلى المنطقة برمتها». وتابع: «لا يستطيع حزب الله أن يفعل ذلك بمفرده ولا يمكنه أن يقف بمفرده أمام دولة تدافع عنها وتدعمها وتغذّيها الدول الغربية والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية». وعندما سئل عما إذا كانت إيران ستحثّ «حزب الله» على ضبط النفس في رده على الضربات الإسرائيلية، أجاب :»إن حزب الله يواجه دولة مسلّحة بشكل جيد جداً ولديها إمكانية الوصول إلى أنظمة أسلحة تفوق بكثير أي شيء آخر»، وحذر قائلاً: «يجب ألا نسمح بأن يصبح لبنان غزة أخرى على أيدي «إسرائيل»». وتوجّه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي نحو نيويورك وذلك بعد عدوله عن زيارتها في وقت سابق، لإجراء المزيد من الاتصالات، عقب التطورات الأخيرة. وأفيد من مصادر دبلوماسية أن واشنطن تدير مفاوضات بشأن التطورات الأمنية بين لبنان و»إسرائيل» على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأضافت: «تحرّك المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين يستند إلى ما جرى التفاهم عليه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بشأن تطبيق القرار الدولي 1701 والتوصل إلى وقف لإطلاق النار». وأشارت إلى أن أطرافًا عربية تتولى بالتنسيق مع فرنسا التواصل مع إيران بغية إنتاج التفاهمات المطلوبة للحل. هذا ويعقد لقاء اليوم الأربعاء بين هوكشتاين وماكرون في نيويورك للبحث بخفض التصعيد في لبنان. وتقدمت دولة العراق بطلب الى مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، لعقد قمة عربية إسلامية طارئة حول لبنان. وأكد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أهمية «التحرك العاجل والعمل الجماعي لحماية الشعب اللبناني والدفاع عن حقوقه المشروعة وفق القوانين الدولية». وأعربت الأمم المتحدة، عن «قلقها البالغ» حيال التصعيد العسكري بين «إسرائيل» وحزب الله في لبنان، مؤكدة أن «عشرات آلاف» الأشخاص فروا من العنف منذ يوم الإثنين. وقال ماثيو سالتمارش متحدثاً باسم مفوضية الأمم المتحدة للاجئين خلال مؤتمر صحافي في جنيف: «نحن قلقون للغاية للتصعيد الخطير للهجمات الذي شهدناه بالأمس. لقد أجبر عشرات آلاف الأشخاص على مغادرة منازلهم امس وهذه الليلة، وعددهم يزداد باستمرار». وأضاف: «هذه منطقة دمّرتها الحرب أساساً وبلد يعرف المعاناة جيداً». وأكد المتحدث باسم المفوضية أن «الخسائر التي يدفعها المدنيون غير مقبولة، وحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية في لبنان أمر أساسي. يجب احترام القانون الإنساني الدولي. من الضروري وقف الأعمال الحربية». وكان أغار الطيران الحربي الإسرائيلي مستهدفًا مبنى من ثلاثة طوابق مقابل حسينية الخنساء في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث أدى إلى استشهاد ستة أشخاص وإصابة خمسة عشر شخصاً بجروح. ولاحقاً، زعمت إذاعة جيش العدو الإسرائيلي أن هدف الهجوم في بيروت هو إبراهيم قبيسي «أبو جواد» رئيس المنظومة الصاروخية في حزب الله، إلا أن حزب الله لم يصدر أي بيان يعلن فيه استشهاد قبيسي. ودفاعاً عن لبنان أعلن حزب الله أنّه أستهدف وللمرّة الثالثة، فجر أمس، مطار مجيدو العسكريّ غرب العفولة، وهذا هو القصف الأول لمطار مجيدو من قبل حزب الله خلال المواجهات الحالية مع العدو الإسرائيلي المستمرة منذ نحو عام، فضلًا عن استهدافه لقاعدة ومطار «رامات دافيد» بصلية من صواريخ «فادي 2»، وكذلك استهداف القاعدة العسكريّة «عاموس» بصلية من صواريخ «فادي 1»، وكذلك استهداف مصنع المواد المتفجرة في منطقة «زخرون يعقوب» الّتي تبعد عن الحدود 60 كيلومترًا. وأفاد حزب الله بأنّه قصف المخازن اللوجستيّة للفرقة 146 في قاعدة نفتالي بصليةٍ صاروخيّة. أعلن حزب الله، أنّه قصف المخازن الرئيسيّة التابعة للمنطقة الشمالية في قاعدة نيمرا، بعشرات الصواريخ. هذا وأطلق العدو الإسرائيلي على عمليته العسكرية ضد لبنان تسميّة «سهام الشمال» وقد أدّت إلى دمارٍ ضخم وحصيلة ضحايا تجاوزت الـ 558 شهيدًا بينهم 50 طفلًا و94 امرأة وما يناهز الـ 1600 جريح وهجّرت آلاف النازحين من بيوتهم. وفي البقاع استشهد وأًصيب العشرات من عائلة واحدة، فجر أمس في مجزرةٍ إثر غارة إسرائيليّة على منزلٍ في شعت في البقاع الذي تعرّض إلى سلسلةٍ متصلة وواسعة ومُكثّفة من الغارات الجويّة والّتي طالت مساحات واسعة من البقاع الغربيّ وصولًا للشماليّ، أدّت إلى دمار العشرات من المنازل المدنيّة الّتي كانت مأهولة، وحرائق ضخمة في الأحراج والبساتين، والرقعة الخضراء في سهل البقاع وبعلبك. وصرّح محافظ بعلبك – الهرمل بشير خضر لوسائل إعلام عدّة، أن قصف الاحتلال الإسرائيليّ مستمر، وهناك حركة نزوح سُجلت إلى خارج المحافظة باتجاه زحلة وبيروت وجبل لبنان. وأوضح خضر أن «النزوح لم يكن بالأعداد نفسها الّتي شهدناها من المناطق الجنوبيّة ونتوقع كل شيء من العدو في هذه المرحلة». وأضاف «فتحنا عددًا كبيرًا من المدارس للنازحين وهناك المئات توجّهوا إليها». وكما البقاع، جدّد العدو الإسرائيلي غاراته الجويّة المكثّفة على قرى وبلدات الجنوب اللّبنانيّ بكل قطاعاته (الشرقي، الغربيّ والأوسط) فضلًا عن أقضية صيدا وصور ومرجعيون والنبطيّة ذلك وسط استمرار حركة نزوح سكّان القرى الجنوبيّة من منازلهم نحو بيروت وجبل لبنان والشمال. وذكرت هيئة البثّ العام الإسرائيلية («كان 11»)، أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، قرر أن يكون تصعيد العمليات العسكرية والهجمات على لبنان تدريجياً، وذلك «في محاولة لتجنّب حرب شاملة وفرض تسوية» على الحزب، تتيح إعادة سكان شمالي «إسرائيل» إلى منازلهم. وبحسب التقرير، عرضت المؤسسة العسكرية على نتنياهو خيارين رئيسيين لتصعيد العمليات والهجمات الواسعة في لبنان: الأول «تنفيذ سلسلة هجمات دراماتيكية ضد حزب الله بشكل متزامن»، والثاني «تنفيذ العمليات المخططة بشكل تدريجي»، وقد فضّل نتنياهو الخيار الثاني. وأفادت القناة بأن «إسرائيل» قامت بإبلاغ الولايات المتحدة بالهجوم الواسع الذي بدأت بشنّه اليوم على لبنان. ووفقاً للتقرير، فإن واشنطن «أعطت الضوء الأخضر للهجوم – انطلاقًا من القناعة بأنه لا يمكن في الوقت الحالي التوصل إلى اتفاق دبلوماسي يؤدي إلى وقف إطلاق النار في الشمال وإعادة السكان إلى منازلهم». وبحسب وسائل إعلام العدو فإن المجلس الوزاري المصغّر والذي أنهى جلسته منتصف الليل قرّر توسيع عمليات القصف في لبنان، وفي الوقت نفسه نقلت الوسائل الإعلامية عن استعداد إسرائيل لمنع التصعيد في حال وافق حزب الله على ترتيبات أمنية حدودية جديدة. وزعم موقع أكسيوس الأميركي أن اتصالات ومشاورات حصلت بين حزب الله وإيران للبحث في كيفية التعاطي مع التصعيد الإسرائيلي تجاه لبنان. وبحسب أكسيوس فإن حزب الله حثّ إيران في الأيام الأخيرة على شنّ هجوم على «إسرائيل» مع تصاعد القتال بينه وبين جيش العدو الإسرائيلي بشكل كبير، لكن إيران امتنعت حتى الآن. وفي إطار عمل لجنة الطوارئ الوزارية، أشار الوزير ناصر ياسين إلى «أننا فتحنا 252 مدرسة رسميّة لتصبح مراكز إيواء، و27 ألف نازح استقرّوا فيها وبدأنا بتفعيل توزيع المساعدات الأساسيّة والوجبات الغذائيّة». وأضاف: «نحضّر لإمكانيّة بناء جسور إنسانيّة لتأمين الحاجات، ونقوم بما يسمّى «طلب المساعدات المباشرة» بالتعاون مع الأمم المتّحدة لكي تكون متوفّرة بأسرع وقت». وأعلن وزير الداخلية بسام المولوي أن: «هناك 28300 نازح موجودون في 296 مركز إيواء على الأراضي اللبنانية». وسياسياً، استكمل الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان جولته على المسؤولين، بدءاً من السراي حيث التقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وجدّد تأكيد أن فرنسا تدعم لبنان وتقف الى جانبه في كل الظروف». واعتبر «أن توجّه رئيس الحكومة إلى نيويورك في هذا الظرف الدقيق مسألة مهمة جداً»، متمنياً «أن تفضي الاتصالات الدبلوماسية الى حل يوقف دورة العنف». وعن الملف الرئاسي اللبناني قال لودريان «إنّه سيقوم بجهود لتقريب وجهات النظر بين الأفرقاء اللبنانيين للوصول الى تفاهم يفضي الى انتخاب رئيس جديد». ومن هناك، توجّه لودريان والوفد المرافق الى مقر الرئاسة الثانية في عين التينة والتقى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، حيث جرى عرض لتطورات الأوضاع السياسية والميدانية في لبنان والمنطقة. وزار لودريان على رأس وفد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في مقر كتلة الوفاء للمقاومة في الضاحية الجنوبية لبيروت. كما زار لودريان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في معراب ثم رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل كما التقى النائب تيمور جنبلاط في السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر.
على الخط المعيشيّ، طمأن رئيس نقابة الأفران في جبل لبنان أنطوان سيف الى توفر الرغيف والطحين والقمح متوقعاً وصول باخرة تحمل 40 ألف طن من القمح الى لبنان قريباً. وأعلن وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام أن «لبنان يتعرّض اليوم لأكبر حملة تهجير وقتل وإجرام، وهذه فرصتنا للوحدة الوطنية». كما أشار إلى أن «الدولة ملتزمة بتسهيل أمور النازحين على الطرقات وفي أماكن الإيواء بقدر استطاعتها والإمكانات الموجودة لديها». وأكد أن «المواد الغذائيّة والمحروقات متوفّرة»، مضيفاً: «لا أعتقد أنّ المرفق البحريّ سيتعطّل، وبالتالي الاستيراد والتصدير على ما يُرام فلا داعي للهلع لأنّ هذا ما يخلق المشكلة». وكشف سلام عن «خطّة وقائيّة كي لا نشهد انقطاعاً بالمواد الغذائيّة والمحروقات»، وقال: «نعمل على حلول، والاجتماعات متتالية ومفتوحة مع الأمم المتحدة واليونيفيل والأجهزة الأمنية لتسهيل مرور ومؤازرة الشاحنات التي تنقل مشتقات نفطيّة ومواد غذائيّة إلى الجنوب والمناطق التي لا تصل إليها».