عاصفة من الردود أثارها التعميم الصادر عن المديرة العامّة بالتكليف للتعليم المهني والتقني هنادي برّي والذي يسمح للطلّاب السوريين غير الحاملين بطاقة إقامة قانونية أو بطاقة تعريف صادرة عن المفوّضية السامية لشؤون اللاجئين، بالتسجيل في المعاهد والمدارس الرسمية والخاصة للعام الدراسي 2024 – 2025. استند التعميم إلى قرار مجلس الوزراء في جلسته في 11 أيلول مع العلم أنّه لم يُدرج ضمن البيان الرسمي الذي تصدره رئاسة مجلس الوزراء عقب كلّ جلسة. جبران باسيل وسمير جعجع كتفاً إلى كتف بوجه الحكومة ووزير التربية وهنادي برّي… وتلويح من قبل رئيس التيار الوطني الحرّ بالنزول إلى الشارع لإسقاط القرار.
في الجلسة نفسها التي شهدت القرار المخالف لأبسط القوانين اللبنانية تمّت إحالة طلب وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجّار منح صفة المنفعة العامّة لجمعيات أهلية إلى وزارة الداخلية لإجراء الدراسات المناسبة. حجّار المُقاطع مع فريق باسيل الوزاري لجلسات مجلس الوزراء يُواظب على إرسال كلّ المراسيم المرتبطة بوزارته إلى السراي، كما باقي الوزراء المقاطعين، من أجل إقرارها داخل الحكومة. مراسيم المقاطعين حاضرة لكنّ وزراءها لا يحضرون الجلسات.
قلّة مسؤوليّة
هنا تحديداً من يُعايِر وزراء التيار بقلّة المسؤولية والإهمال والتحايل عبر المقاطعة وتمرير المراسيم من تحت لتحت. وتأتي فضيحة تعليم السوريين الموجودين بطريقة غير شرعية لتضيء أكثر على تقصير الفريق المقاطع، حيث إنّ حضوره الجلسات يمكن أن يوقف مسار العديد من القرارات التي سبق أن عارضها التيار “من برّا” وربّما كان ليقطع الطريق أمام صدور القرار الأخير في شأن تعليم السوريين.
من خارج جدول الأعمال
وفق معلومات “أساس” طرح وزير التربية القرار من خارج جدول الأعمال ولم يحظَ بأيّ نقاش أو اعتراض، خصوصاً أنّ الحلبي جزم أنّ في العام المقبل لن يحظى أيّ سوري بالتعليم من دون أوراق ثبوتية وستكون مهمّة الأمن العام التحقّق من ذلك. لاحقاً لم يُلحظ القرار ضمن مقرّرات مجلس الوزراء الرسمية، حيث اكتفى البيان الصادر في 11 أيلول بالإشارة إلى الموافقة على تخصيص جلسة للملفّ التربوي لاحقاً.
كما تفيد المعطيات عن درس وزير التربية ومديرة التعليم التقني فكرة عقد مؤتمر صحافي لشرح حيثيات القرار الأخير. مع العلم أنّ وزير التربية أصدر بياناً يوم السبت أكّد فيه أنّ “الوزارة تسلّم المديرية العامّة للأمن العامّ، عبر وزارة الداخلية، الاسم الثلاثي والوثائق المتوافرة لكلّ مرشّح نازح نجح في الامتحانات الرسمية للشهادات الرسمية الصادرة عن المديريّة العامّة للتعليم المهني والتقني لكي يقوم الأمن العامّ بمهامّه لجهة متابعة حصولهم على الإقامة”، مشدّداً على أنّ دور وزارة التربية محصور بتقديم التعليم حسب القوانين والأنظمة، وأنّ “قرار مجلس الوزراء الذي سمح بتسليم الشهادات للنازحين من التلامذة في التعليم المهني والتقني، منع تسجيل أيّ تلميذ نازح للعام الدراسي 2025 – 2026 إذا لم تكن لديه وثيقة إقامة صالحة”.
كما ساندت مفوضيّة الإعلام في الحزب الاشتراكي الوزير الحلبي عبر إصدار بيان إدانة للحملة التي تتعرّض لها وزارة التربية، “فهذا القرار يعكس حكمةً في منع انجراف الأطفال السوريين نحو الجهل والتطرّف والعنف والجريمة، فيما الحملة ضدّه تعكس مجدّداً عنصرية وقصر نظر في مقاربة ملفّ استراتيجي دقيق”.
فرصة أخيرة؟
تقول أوساط رئاسة الحكومة لـ “أساس” إنّ “هذا القرار يسمح بتعداد السوريين غير الشرعيين ويُشكّل فرصة أخيرة لتسوية أوضاع هؤلاء، كما أنّه لا يمكن الهروب من هذا الأمر الواقع ولا بدّ من مواجهته بتدابير استثنائية”.
حتى الآن جاهرت العديد من البلديات برفض تنفيذ قرار مجلس الوزراء الذي سبقه بيان صادر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” تدين فيه السلطات اللبنانية لجهة “فرضها قيوداً تمييزية تؤدّي إلى حرمان عشرات آلاف الأطفال اللاجئين السوريين من حقّهم في التعليم، وتتضمّن هذه القيود اشتراط حيازة إقامة صالحة كشرط للتسجيل في المدرسة”.
توطين تربويّ؟
في هذا السياق تقول مصادر معارِضة للقرار إنّه “يرسّخ مفهوم التوطين التربوي، وقد يدفع مجلس الوزراء كلّ عام إلى إصدار قرار “استثنائي” بالتعليم من دون أوراق ثبوتية، والأخطر أنّه يناسب الجهات التي تستفيد بشكل كبير من أموال UNHCR والمجتمع الدولي المستثمرة في مجال تعليم السوريين في لبنان. وهو واقع دفع بعض المدارس إلى إقفال صفوف التدريس للّبنانيين وفتحها حصراً للسوريين”.
المفارقة أنّ تعميم برّي ناقض تعميمين سابقين لها رقمهما 20 و24 تطلب في الأوّل من مديري المعاهد والمدارس الرسمية التقيّد بالاستحصال على بطاقة هويّة عليها صورة شمسية وبطاقة الإقامة للطلاب من التابعية السورية، والثاني حذّرت فيه من أنّ المديرية “ستشطب أسماء الطلاب الأجانب الذين لا يملكون المستندات المطلوبة دون إعطاء مهلة للمعهد المخالف لتسوية وضعه لاحقاً، كما ستعمد إلى اتّخاذ الإجراءات الإدارية والمسلكية بحقّ المعاهد المخالفة”.
باسيل-جعجع
هكذا منحت الحكومة عبر قرارها كلّ الطلاب وذويهم الذين دخلوا بطريقة غير شرعية إلى لبنان فترة سماح قد تطول كثيراً إذا ارتأت الحكومة العام المقبل أو في الأعوام المقبلة أنّ ثمّة ظروفاً قاهرة تستدعي التراجع عن قرار فرض الاستحصال على بطاقة إقامة قانونية أو بطاقة تعريف صادرة عن مفوضية اللاجئين.
سياسياً، رفع النائب باسيل البطاقة الحمراء بوجه الرئيس بري والحزب ووزراء المردة والمستقلّين، ملوّحاً بتحرّكات على الأرض، وموجّهاً لوماً مباشراً للحزب قائلاً: “عندما يدعو السيد نصرالله إلى إجراءات الحدّ الأقصى لفتح البحر هل يمكن لوزرائه في الحكومة أن يقبلوا بهذا القرار؟”.
من جهته رفع جعجع السقف محذّراً من موجة “تعليم” أكبر عبر إرسال السوريين أولادهم للتعلّم حيث لا قيود ولا شروط، طالباً من رئيس الحكومة ووزير التربية التدخّل فوراً لإبطال تعميم هنادي برّي.
المصدر: أساس ميديا – ملاك عقيل